مسك
ثبت في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (أطيب الطيب المسك).
وفي الصحيحين : عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ: كنت أطيب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل أن يحرم ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك.
المسك: ملك أنواع الطيب، وأشرفها وأطيبها، وهو الذي تضرب به الأمثال، ويشبه به غيره، ولا يشبه بغيره، وهو كثبان الجنة، وهو حار يابس في الثانية، يسر النفس ويقويها، ويقوي الأعضاء الباطنة جميعها شربًا وشمًا، والظاهرة إذا وضع عليها. نافع للمشايخ، والمبرودين، لا سيما زمن الشتاء، جيد للغشي والخفقان، وضعف القوة بإنعاشه للحرارة الغريزية، ويجلو بياض العين، وينشف رطوبتها، ويفش الرياح منها ومن جميع الأعضاء، ويبطل عمل السموم، وينفع من نهش الأفاعي، ومنافعه كثيرة جدًا، وهو من أقوى المفرحات.
مرزنجوش
ورد فيه حديث لا نعلم صحته: (عليكم بالمرزنجوش، فإنه جيد للخشام). والخشام: الزكام.
وهو حار في الثالثة يابس في الثانية، ينفع شمه من الصداع البارد، والكائن عن البلغم، والسوداء، والزكام، والرياح الغليظة، ويفتح السدد الحادثة في الرأس والمنخرين، ويحلل أكثر الأورام الباردة، فينفع من أكثر الأورام والأوجاع الباردة الرطبة، وإذا احتمل، أدر الطمث، وأعان على الحبل، وإذا دق ورقه اليابس، وكمد به، أذهب آثار الدم العارض تحت العين، وإذا ضمد به مع الخل، نفع لسعة العقرب.
ودهنه نافع لوجع الظهر والركبتين، ويذهب بالإعياء، ومن أدمن شمه لم ينزل في عينيه الماء، وإذا استعط بمائه مع دهن اللوز المر، فتح سدد المنخرين، ونفع من الريح العارضة فيها، وفي الرأس. ملح: روى ابن ماجه في سننه : من حديث أنس يرفعه: (سيد إدامهم الملح). وسيد الشيء: هو الذي يصلحه، ويقوم عليه، وغالب الإدام إنما يصلح بالملح، وفي مسند البزار مرفوعًا: (سيوشك أن تكونوا في الناس مثل الملح في الطعام، ولا يصلح الطعام إلا بالملح).
وذكر البغوي في تفسيره : عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ مرفوعًا: (إن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض: الحديد، والنار، والماء، والملح). والموقوف أشبه.
الملح يصلح أجسام الناس وأطعمتهم، ويصلح كل شيء يخالطه حتى الذهب والفضة، وذلك أن فيه قوة تزيد الذهب صفرة، والفضة بياضًا، وفيه جلاء وتحليل، وإذهاب للرطوبات الغليظة، وتنشيف لها، وتقوية للأبدان، ومنع من عفونتها وفسادها، ونفع من الجرب المتقرح.
وإذا اكتحل به، قلع اللحم الزائد من العين، ومحق الظفرة.
والأندراني أبلغ في ذلك، ويمنع القروح الخبيثة من الانتشار ويحدر البراز، وإذا دلك به بطون أصحاب الإستسقاء، نفعهم، وينقي الأسنان، ويدفع عنها العفونة، ويشد اللثة ويقويها، ومنافعه كثيرة جدًا.
حرف النون
نخل
مذكور في القرآن في غير موضع، وفي الصحيحين: عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: بينا نحن عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ أتي بجمار نخلة، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إن من الشجر شجرة مثلها مثل الرجل المسلم لا يسقط ورقها، أخبروني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البوادي، فوقع في نفسي أنها النخلة، فأردت أن أقول: هي النخلة، ثم نظرت فإذا أنا أصغر القوم سنًا، فسكت. فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: هي النخلة)، فذكرت ذلك لعمر، فقال: لأن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا.
ففي هذا الحديث إلقاء العالم المسائل على أصحابه، وتمرينهم، واختبار ما عندهم.
وفيه ضرب الأمثال والتشبيه.
وفيه ما كان عليه الصحابة من الحياء من أكابرهم وإجلالهم وإمساكهم عن الكلام بين أيديهم.
وفيه فرح الرجل بإصابة ولده، وتوفيقه للصواب.
وفيه أنه لا يكره للولد أن يجيب بما يعرف بحضرة أبيه، وإن لم يعرفه الأب، وليس في ذلك إساءة أدب عليه.
وفيه ما تضمنه تشبيه المسلم بالنخلة من كثرة خيرها، ودوام ظلها، وطيب ثمرها، ووجوده على الدوام.
وثمرها يؤكل رطبًا ويابسًا، وبلحًا ويانعًا، وهو غذاء ودواء وقوت وحلوى، وشراب وفاكهة، وجذوعها للبناء والآلات والأواني، ويتخذ من خوصها الحصر والمكاتل والأواني والمراوح، وغير ذلك، ومن ليفها الحبال والحشايا وغيرها، ثم آخر شيء نواها علف للإبل، ويدخل في الأدوية والأكحال، ثم جمال ثمرتها ونباتها وحسن هيئتها، وبهجة منظرها، وحسن نضد ثمرها، وصنعته وبهجته، ومسرة النفوس عند رؤيته، فرؤيتها مذكرة لفاطرها وخالقها، وبديع صنعته، وكمال قدرته، وتمام حكمته، ولا شيء أشبه بها من الرجل المؤمن، إذ هو خير كله، ونفع ظاهر وباطن.
وهي الشجرة التي حن جذعها إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما فارقه شوقًا إلى قربه، وسماع كلامه، وهي التي نزلت تحتها مريم لما ولدت عيسى عليه السلام. وقد ورد في حديث في إسناده نظر: (أكرموا عمتكم النخلة، فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم).
وقد اختلف الناس في تفضيلها على الحبلة أو بالعكس على قولين، وقد قرن الله بينهما في كتابه في غير موضع، وما أقرب أحدهما من صاحبه، وإن كان كل واحد منهما في محل سلطانه ومنبته، والأرض التي توافقه أفضل وأنفع.
نرجس
فيه حديث لا يصح: (عليكم بشم النرجس فإن في القلب حبة الجنون والجذام والبرص، لا يقطعها إلا شم النرجس).
وهو حار يابس في الثانية، وأصله يدمل القروح الغائرة إلى العصب، وله قوة غسالة جالية جابذة، وإذا طبخ وشرب ماؤه، أو أكل مسلوقًا، هيج القئ، وجذب الرطوبة من قعر المعدة، وإذا طبخ مع الكرسنة والعسل، نقى أوساخ القروح، وفجر الدبيلات العسرة النضج.
وزهره معتدل الحرارة، لطيف ينفع الزكام البارد، وفيه تحليل قوي، ويفتح سدد الدماغ والمنخرين، وينفع من الصداع الرطب والسوداوي، ويصدع الرؤوس الحارة، والمحرق منه إذا شق بصله صليبًا، وغرس، صار مضاعفًا، ومن أدمن شمه في الشتاء أمن من البرسام في الصيف، وينفع من أوجاع الرأس الكائنة من البلغم والمرة السوداء، وفيه من العطرية ما يقوي القلب والدماغ، وينفع من كثير من أمراضها. وقال صاحب التيسير: شمه يذهب بصرع الصبيان.
نورة
روى ابن ماجه: من حديث أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا اطلى بدأ بعورته، فطلاها بالنورة، وسائر جسده أهله، وقد ورد فيها عدة أحاديث هذا أمثلها.
قيل: إن أول من دخل الحمام، وصنعت له النورة، سليمان بن داود، وأصلها: كلس جزآن، وزرنيخ جزء، يخلطان بالماء، ويتركان في الشمس أو الحمام بقدر ما تنضج، وتشتد زرقته، ثم يطلى به، ويجلس ساعة ريثما يعمل، ولا يمس بماء، ثم يغسل، ويطلى مكانها بالحناء لإذهاب ناريتها.
نبق
ذكر أبو نعيم في كتابه الطب النبوي مرفوعًا: (إن آدم لما أهبط إلى الأرض كان أول شيء أكل من ثمارها النبق). وقد ذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ النبق في الحديث المتفق على صحته: أنه رأى سدرة المنتهى ليلة أسري به، وإذا نبقها مثل قلال هجر.
والنبق
ثمر شجر السدر يعقل الطبيعة، وينفع من الإسهال، ويدبغ المعدة، ويسكن الصفراء، ويغذو البدن، ويشهي الطعام، ويولد بلغمًا، وينفع الذرب الصفراوي، وهو بطيء الهضم، وسويقه يقوي الحشا، وهو يصلح الأمزجة الصفراوية، وتدفع مضرته بالشهد.
واختلف فيه، هل هو رطب أو يابس ؟ على قولين. والصحيح: أن رطبه بارد رطب، ويابسه بارد يابس.
حرف الهاء
هندبا
ورد فيها ثلاثة أحاديث لا تصح عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا يثبت مثلها، بل هي موضوعة، أحدها: (كلوا الهندباء ولا تنفضوه فإنه ليس يؤم من الأيام إلا وقطرات من الجنة تقطر عليه). الثاني: (من أكل الهندباء، ثم نام عليها لم يحل فيه سم ولا سحر). الثالث: (ما من ورقة من ورق الهندباء إلا وعليها قطرة من الجنة).
وبعد فهي مستحيلة المزاج، منقلبة بانقلاب فصول السنة، فهي في الشتاء باردة رطبة، وفي الصيف حارة يابسة، وفي الربيع والخريف معتدلة، وفي غالب أحوالها تميل إلى البرودة واليبس، وهي قابضة مبردة جيدة للمعدة، وإذا طبخت وأكلت بخل، عقلت البطن وخاصة البري منها، فهي أجود للمعدة، وأشد قبضًا، وتنفع من ضعفها.
وإذا تضمد بها، سلبت الالتهاب العارض في المعدة، وتنفع من النقرس، ومن أورام العين الحارة، وإذا تضمد بورقها وأصولها، نفعت من لسع العقرب، وهي تقوي المعدة، وتفتح السدد العارضة في الكبد، وتنفع من أوجاعها حارها وباردها، وتفتح سدد الطحال والعروق والأحشاء وتنقي مجاري الكلى.
وأنفعها للكبد أمرها، وماؤها المعتصر ينفع من اليرقان السددي، ولا سيما إذا خلط به ماء الرازيانج الرطب، وإذا دق ورقها، ووضع على الأورام الحارة بردها وحللها، ويجلو ما في المعدة، ويطفئ حرارة الدم والصفراء، وأصلح ما أكلت غير مغسولة ولا منفوضة، لأنها متى غسلت أو نفضت، فارقتها قوتها، وفيها مع ذلك قوة ترياقية تنفع من جميع السموم.
وإذا اكتحل بمائها، نفع من العشا، ويدخل ورقها في الترياق، وينفع من لدغ العقرب، ويقاوم أكثر السموم، وإذا اعتصر ماؤها، وصب عليه الزيت، خلص من الأدوية القتالة، وإذا اعتصر أصلها، وشرب ماؤه، نفع من لسع الأفاعي، ولسع العقرب، ولسع الزنبور، ولبن أصلها يجلو بياض العين.
حرف الواو
ورس
ذكر الترمذي في جامعه: من حديث زيد بن أرقم، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كان ينعت الزيت والورس من ذات الجنب، قال قتادة: يلد به، ويلد من الجانب الذي يشتكيه.
وروى ابن ماجه في سننه من حديث زيد بن أرقم أيضًا، قال: نعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ذات الجنب ورسًا وقسطًا وزيتًا يلد به.
وصح عن أم سلمة ـ رضي الله عنهاـ قالت: كانت النفساء تقعد بعد نفاسها أربعين يومًا، وكانت إحدانا تطلي الورس على وجهها من الكلف.
قال أبو حنيفة اللغوي: الورس يزرع زرعًا، وليس ببري، ولست أعرفه بغير أرض العرب، ولا من أرض العرب بغير بلاد اليمن.
وقوته في الحرارة واليبوسة في أول الدرجة الثانية، وأجوده الأحمر اللين في اليد، القليل النخالة، ينفع من الكلف، والحكة، والبثور الكائنة في سطح البدن إذا طلي به، وله قوة قابضة صابغة، وإذا شرب نفع من الوضح، ومقدار الشربة منه وزن درهم.
وهو في مزاجه ومنافعه قريب من منافع القسط البحري، وإذا لطخ به على البهق والحكة والبثور والسفعة نفع منها، والثوب المصبوغ بالورس يقوي على الباه.
وسمة
هي ورق النيل، وهي تسود الشعر، وقد تقدم قريبًا ذكر الخلاف في جواز الصبغ بالسواد ومن فعله.
حرف الياء
يقطين
وهو الدباء والقرع، وإن كان اليقطين أعم، فإنه في اللغة: كل شجر لا تقوم على ساق، كالبطيخ والقثاء والخيار، قال الله تعالى: {وأنبتنا عليه شجرة من يقطين} [الصافات: 146].
فإن قيل: ما لا يقوم على ساق يسمى نجمًا لا شجرًا، والشجر: ما له ساق، قاله أهل اللغة: فكيف قال: {شجرة من يقطين} [الصافات: 146]؟.
فالجواب: أن الشجر إذا أطلق، كان ما له ساق يقوم عليه، وإذا قيد بشيء تقيد به، فالفرق بين المطلق والمقيد في الأسماء باب مهم عظيم النفع في الفهم، ومراتب اللغة.
واليقطين المذكور في القرآن: هو نبات الدباء، وثمره يسمى الدباء والقرع، وشجرة اليقطين. وقد ثبت في الصحيحين : من حديث أنس بن مالك، أن خياطًا دعا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لطعام صنعه، قال أنس رضي الله عنه: فذهبت مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقرب إليه خبزًا من شعير، ومرقا فيه دباء وقديد، قال أنس: فرأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتتبع الدباء من حوالي الصحفة، فلم أزل أحب الدباء من ذلك اليوم.
وقال أبو طالوت: دخلت على أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو يأكل القرع، ويقول: يا لك من شجرة ما أحبك إلي لحب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إياك.
وفي الغيلانيات: من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (يا عائشة إذا طبختم قدرًا، فأكثروا فيها من الدباء، فإنها تشد قلب الحزين).
اليقطين: بارد رطب، يغذو غذاء يسيرًا، وهو سريع الإنحدار، وإن لم يفسد قبل الهضم، تولد منه خلط محمود، ومن خاصيته أنه يتولد منه خلط محمود مجانس لما يصحبه، فان أكل بالخردل، تولد منه خلط حريف، وبالملح خلط مالح، ومع القابض قابض، وإن طبخ بالسفرجل غذا البدن غذاء جيدًا.
وهو لطيف مائي يغذو غذاء رطبًا بلغميًا، وينفع المحرورين، ولا يلائم المبرودين، ومن الغالب عليهم البلغم، وماؤه يقطع العطش، ويذهب الصداع الحار إذا شرب أو غسل به الرأس، وهو ملين للبطن كيف استعمل، ولا يتداوى المحرورون بمثله، ولا أعجل منه نفعًا.
ومن منافعه: أنه إذا لطخ بعجين، وشوي في الفرن أو التنور، واستخرج ماؤه وشرب ببعض الأشربة اللطيفة، سكن حرارة الحمى الملتهبة، وقطع العطش، وغذى غذاء حسنًا، وإذا شرب بترنجبين وسفرجل مربى أسهل صفراء محضة.
وإذا طبخ القرع، وشرب ماؤه بشيء من عسل، وشيء من نطرون، أحدر بلغمًا ومرة معًا، وإذا دق وعمل منه ضماد على اليافوخ، نفع من الأورام الحارة في الدماغ.
وإذا عصرت جرادته، وخلط ماؤها بدهن الورد، وقطر منها في الأذن، نفعت من الأورام الحارة، وجرادته نافعة من أورام العين الحارة، ومن النقرس الحار، وهو شديد النفع لأصحاب الأمزجة الحارة والمحمومين، ومتى صادف في المعدة خلطًا رديئًا، استحال إلى طبيعته، وفسد، وولد في البدن خلطًا رديئًا، ودفع مضرته بالخل والمري.
وبالجملة فهو من ألطف الأغذية، وأسرعها انفعالًا، ويذكر عن أنس، رضي الله عنه أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يكثر من أكله.
من كتاب الطب النبوي _ولكم مني جزيل الشكر
ثبت في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (أطيب الطيب المسك).
وفي الصحيحين : عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ: كنت أطيب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل أن يحرم ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك.
المسك: ملك أنواع الطيب، وأشرفها وأطيبها، وهو الذي تضرب به الأمثال، ويشبه به غيره، ولا يشبه بغيره، وهو كثبان الجنة، وهو حار يابس في الثانية، يسر النفس ويقويها، ويقوي الأعضاء الباطنة جميعها شربًا وشمًا، والظاهرة إذا وضع عليها. نافع للمشايخ، والمبرودين، لا سيما زمن الشتاء، جيد للغشي والخفقان، وضعف القوة بإنعاشه للحرارة الغريزية، ويجلو بياض العين، وينشف رطوبتها، ويفش الرياح منها ومن جميع الأعضاء، ويبطل عمل السموم، وينفع من نهش الأفاعي، ومنافعه كثيرة جدًا، وهو من أقوى المفرحات.
مرزنجوش
ورد فيه حديث لا نعلم صحته: (عليكم بالمرزنجوش، فإنه جيد للخشام). والخشام: الزكام.
وهو حار في الثالثة يابس في الثانية، ينفع شمه من الصداع البارد، والكائن عن البلغم، والسوداء، والزكام، والرياح الغليظة، ويفتح السدد الحادثة في الرأس والمنخرين، ويحلل أكثر الأورام الباردة، فينفع من أكثر الأورام والأوجاع الباردة الرطبة، وإذا احتمل، أدر الطمث، وأعان على الحبل، وإذا دق ورقه اليابس، وكمد به، أذهب آثار الدم العارض تحت العين، وإذا ضمد به مع الخل، نفع لسعة العقرب.
ودهنه نافع لوجع الظهر والركبتين، ويذهب بالإعياء، ومن أدمن شمه لم ينزل في عينيه الماء، وإذا استعط بمائه مع دهن اللوز المر، فتح سدد المنخرين، ونفع من الريح العارضة فيها، وفي الرأس. ملح: روى ابن ماجه في سننه : من حديث أنس يرفعه: (سيد إدامهم الملح). وسيد الشيء: هو الذي يصلحه، ويقوم عليه، وغالب الإدام إنما يصلح بالملح، وفي مسند البزار مرفوعًا: (سيوشك أن تكونوا في الناس مثل الملح في الطعام، ولا يصلح الطعام إلا بالملح).
وذكر البغوي في تفسيره : عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ مرفوعًا: (إن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض: الحديد، والنار، والماء، والملح). والموقوف أشبه.
الملح يصلح أجسام الناس وأطعمتهم، ويصلح كل شيء يخالطه حتى الذهب والفضة، وذلك أن فيه قوة تزيد الذهب صفرة، والفضة بياضًا، وفيه جلاء وتحليل، وإذهاب للرطوبات الغليظة، وتنشيف لها، وتقوية للأبدان، ومنع من عفونتها وفسادها، ونفع من الجرب المتقرح.
وإذا اكتحل به، قلع اللحم الزائد من العين، ومحق الظفرة.
والأندراني أبلغ في ذلك، ويمنع القروح الخبيثة من الانتشار ويحدر البراز، وإذا دلك به بطون أصحاب الإستسقاء، نفعهم، وينقي الأسنان، ويدفع عنها العفونة، ويشد اللثة ويقويها، ومنافعه كثيرة جدًا.
حرف النون
نخل
مذكور في القرآن في غير موضع، وفي الصحيحين: عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: بينا نحن عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ أتي بجمار نخلة، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إن من الشجر شجرة مثلها مثل الرجل المسلم لا يسقط ورقها، أخبروني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البوادي، فوقع في نفسي أنها النخلة، فأردت أن أقول: هي النخلة، ثم نظرت فإذا أنا أصغر القوم سنًا، فسكت. فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: هي النخلة)، فذكرت ذلك لعمر، فقال: لأن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا.
ففي هذا الحديث إلقاء العالم المسائل على أصحابه، وتمرينهم، واختبار ما عندهم.
وفيه ضرب الأمثال والتشبيه.
وفيه ما كان عليه الصحابة من الحياء من أكابرهم وإجلالهم وإمساكهم عن الكلام بين أيديهم.
وفيه فرح الرجل بإصابة ولده، وتوفيقه للصواب.
وفيه أنه لا يكره للولد أن يجيب بما يعرف بحضرة أبيه، وإن لم يعرفه الأب، وليس في ذلك إساءة أدب عليه.
وفيه ما تضمنه تشبيه المسلم بالنخلة من كثرة خيرها، ودوام ظلها، وطيب ثمرها، ووجوده على الدوام.
وثمرها يؤكل رطبًا ويابسًا، وبلحًا ويانعًا، وهو غذاء ودواء وقوت وحلوى، وشراب وفاكهة، وجذوعها للبناء والآلات والأواني، ويتخذ من خوصها الحصر والمكاتل والأواني والمراوح، وغير ذلك، ومن ليفها الحبال والحشايا وغيرها، ثم آخر شيء نواها علف للإبل، ويدخل في الأدوية والأكحال، ثم جمال ثمرتها ونباتها وحسن هيئتها، وبهجة منظرها، وحسن نضد ثمرها، وصنعته وبهجته، ومسرة النفوس عند رؤيته، فرؤيتها مذكرة لفاطرها وخالقها، وبديع صنعته، وكمال قدرته، وتمام حكمته، ولا شيء أشبه بها من الرجل المؤمن، إذ هو خير كله، ونفع ظاهر وباطن.
وهي الشجرة التي حن جذعها إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما فارقه شوقًا إلى قربه، وسماع كلامه، وهي التي نزلت تحتها مريم لما ولدت عيسى عليه السلام. وقد ورد في حديث في إسناده نظر: (أكرموا عمتكم النخلة، فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم).
وقد اختلف الناس في تفضيلها على الحبلة أو بالعكس على قولين، وقد قرن الله بينهما في كتابه في غير موضع، وما أقرب أحدهما من صاحبه، وإن كان كل واحد منهما في محل سلطانه ومنبته، والأرض التي توافقه أفضل وأنفع.
نرجس
فيه حديث لا يصح: (عليكم بشم النرجس فإن في القلب حبة الجنون والجذام والبرص، لا يقطعها إلا شم النرجس).
وهو حار يابس في الثانية، وأصله يدمل القروح الغائرة إلى العصب، وله قوة غسالة جالية جابذة، وإذا طبخ وشرب ماؤه، أو أكل مسلوقًا، هيج القئ، وجذب الرطوبة من قعر المعدة، وإذا طبخ مع الكرسنة والعسل، نقى أوساخ القروح، وفجر الدبيلات العسرة النضج.
وزهره معتدل الحرارة، لطيف ينفع الزكام البارد، وفيه تحليل قوي، ويفتح سدد الدماغ والمنخرين، وينفع من الصداع الرطب والسوداوي، ويصدع الرؤوس الحارة، والمحرق منه إذا شق بصله صليبًا، وغرس، صار مضاعفًا، ومن أدمن شمه في الشتاء أمن من البرسام في الصيف، وينفع من أوجاع الرأس الكائنة من البلغم والمرة السوداء، وفيه من العطرية ما يقوي القلب والدماغ، وينفع من كثير من أمراضها. وقال صاحب التيسير: شمه يذهب بصرع الصبيان.
نورة
روى ابن ماجه: من حديث أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا اطلى بدأ بعورته، فطلاها بالنورة، وسائر جسده أهله، وقد ورد فيها عدة أحاديث هذا أمثلها.
قيل: إن أول من دخل الحمام، وصنعت له النورة، سليمان بن داود، وأصلها: كلس جزآن، وزرنيخ جزء، يخلطان بالماء، ويتركان في الشمس أو الحمام بقدر ما تنضج، وتشتد زرقته، ثم يطلى به، ويجلس ساعة ريثما يعمل، ولا يمس بماء، ثم يغسل، ويطلى مكانها بالحناء لإذهاب ناريتها.
نبق
ذكر أبو نعيم في كتابه الطب النبوي مرفوعًا: (إن آدم لما أهبط إلى الأرض كان أول شيء أكل من ثمارها النبق). وقد ذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ النبق في الحديث المتفق على صحته: أنه رأى سدرة المنتهى ليلة أسري به، وإذا نبقها مثل قلال هجر.
والنبق
ثمر شجر السدر يعقل الطبيعة، وينفع من الإسهال، ويدبغ المعدة، ويسكن الصفراء، ويغذو البدن، ويشهي الطعام، ويولد بلغمًا، وينفع الذرب الصفراوي، وهو بطيء الهضم، وسويقه يقوي الحشا، وهو يصلح الأمزجة الصفراوية، وتدفع مضرته بالشهد.
واختلف فيه، هل هو رطب أو يابس ؟ على قولين. والصحيح: أن رطبه بارد رطب، ويابسه بارد يابس.
حرف الهاء
هندبا
ورد فيها ثلاثة أحاديث لا تصح عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا يثبت مثلها، بل هي موضوعة، أحدها: (كلوا الهندباء ولا تنفضوه فإنه ليس يؤم من الأيام إلا وقطرات من الجنة تقطر عليه). الثاني: (من أكل الهندباء، ثم نام عليها لم يحل فيه سم ولا سحر). الثالث: (ما من ورقة من ورق الهندباء إلا وعليها قطرة من الجنة).
وبعد فهي مستحيلة المزاج، منقلبة بانقلاب فصول السنة، فهي في الشتاء باردة رطبة، وفي الصيف حارة يابسة، وفي الربيع والخريف معتدلة، وفي غالب أحوالها تميل إلى البرودة واليبس، وهي قابضة مبردة جيدة للمعدة، وإذا طبخت وأكلت بخل، عقلت البطن وخاصة البري منها، فهي أجود للمعدة، وأشد قبضًا، وتنفع من ضعفها.
وإذا تضمد بها، سلبت الالتهاب العارض في المعدة، وتنفع من النقرس، ومن أورام العين الحارة، وإذا تضمد بورقها وأصولها، نفعت من لسع العقرب، وهي تقوي المعدة، وتفتح السدد العارضة في الكبد، وتنفع من أوجاعها حارها وباردها، وتفتح سدد الطحال والعروق والأحشاء وتنقي مجاري الكلى.
وأنفعها للكبد أمرها، وماؤها المعتصر ينفع من اليرقان السددي، ولا سيما إذا خلط به ماء الرازيانج الرطب، وإذا دق ورقها، ووضع على الأورام الحارة بردها وحللها، ويجلو ما في المعدة، ويطفئ حرارة الدم والصفراء، وأصلح ما أكلت غير مغسولة ولا منفوضة، لأنها متى غسلت أو نفضت، فارقتها قوتها، وفيها مع ذلك قوة ترياقية تنفع من جميع السموم.
وإذا اكتحل بمائها، نفع من العشا، ويدخل ورقها في الترياق، وينفع من لدغ العقرب، ويقاوم أكثر السموم، وإذا اعتصر ماؤها، وصب عليه الزيت، خلص من الأدوية القتالة، وإذا اعتصر أصلها، وشرب ماؤه، نفع من لسع الأفاعي، ولسع العقرب، ولسع الزنبور، ولبن أصلها يجلو بياض العين.
حرف الواو
ورس
ذكر الترمذي في جامعه: من حديث زيد بن أرقم، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كان ينعت الزيت والورس من ذات الجنب، قال قتادة: يلد به، ويلد من الجانب الذي يشتكيه.
وروى ابن ماجه في سننه من حديث زيد بن أرقم أيضًا، قال: نعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ذات الجنب ورسًا وقسطًا وزيتًا يلد به.
وصح عن أم سلمة ـ رضي الله عنهاـ قالت: كانت النفساء تقعد بعد نفاسها أربعين يومًا، وكانت إحدانا تطلي الورس على وجهها من الكلف.
قال أبو حنيفة اللغوي: الورس يزرع زرعًا، وليس ببري، ولست أعرفه بغير أرض العرب، ولا من أرض العرب بغير بلاد اليمن.
وقوته في الحرارة واليبوسة في أول الدرجة الثانية، وأجوده الأحمر اللين في اليد، القليل النخالة، ينفع من الكلف، والحكة، والبثور الكائنة في سطح البدن إذا طلي به، وله قوة قابضة صابغة، وإذا شرب نفع من الوضح، ومقدار الشربة منه وزن درهم.
وهو في مزاجه ومنافعه قريب من منافع القسط البحري، وإذا لطخ به على البهق والحكة والبثور والسفعة نفع منها، والثوب المصبوغ بالورس يقوي على الباه.
وسمة
هي ورق النيل، وهي تسود الشعر، وقد تقدم قريبًا ذكر الخلاف في جواز الصبغ بالسواد ومن فعله.
حرف الياء
يقطين
وهو الدباء والقرع، وإن كان اليقطين أعم، فإنه في اللغة: كل شجر لا تقوم على ساق، كالبطيخ والقثاء والخيار، قال الله تعالى: {وأنبتنا عليه شجرة من يقطين} [الصافات: 146].
فإن قيل: ما لا يقوم على ساق يسمى نجمًا لا شجرًا، والشجر: ما له ساق، قاله أهل اللغة: فكيف قال: {شجرة من يقطين} [الصافات: 146]؟.
فالجواب: أن الشجر إذا أطلق، كان ما له ساق يقوم عليه، وإذا قيد بشيء تقيد به، فالفرق بين المطلق والمقيد في الأسماء باب مهم عظيم النفع في الفهم، ومراتب اللغة.
واليقطين المذكور في القرآن: هو نبات الدباء، وثمره يسمى الدباء والقرع، وشجرة اليقطين. وقد ثبت في الصحيحين : من حديث أنس بن مالك، أن خياطًا دعا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لطعام صنعه، قال أنس رضي الله عنه: فذهبت مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقرب إليه خبزًا من شعير، ومرقا فيه دباء وقديد، قال أنس: فرأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتتبع الدباء من حوالي الصحفة، فلم أزل أحب الدباء من ذلك اليوم.
وقال أبو طالوت: دخلت على أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو يأكل القرع، ويقول: يا لك من شجرة ما أحبك إلي لحب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إياك.
وفي الغيلانيات: من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (يا عائشة إذا طبختم قدرًا، فأكثروا فيها من الدباء، فإنها تشد قلب الحزين).
اليقطين: بارد رطب، يغذو غذاء يسيرًا، وهو سريع الإنحدار، وإن لم يفسد قبل الهضم، تولد منه خلط محمود، ومن خاصيته أنه يتولد منه خلط محمود مجانس لما يصحبه، فان أكل بالخردل، تولد منه خلط حريف، وبالملح خلط مالح، ومع القابض قابض، وإن طبخ بالسفرجل غذا البدن غذاء جيدًا.
وهو لطيف مائي يغذو غذاء رطبًا بلغميًا، وينفع المحرورين، ولا يلائم المبرودين، ومن الغالب عليهم البلغم، وماؤه يقطع العطش، ويذهب الصداع الحار إذا شرب أو غسل به الرأس، وهو ملين للبطن كيف استعمل، ولا يتداوى المحرورون بمثله، ولا أعجل منه نفعًا.
ومن منافعه: أنه إذا لطخ بعجين، وشوي في الفرن أو التنور، واستخرج ماؤه وشرب ببعض الأشربة اللطيفة، سكن حرارة الحمى الملتهبة، وقطع العطش، وغذى غذاء حسنًا، وإذا شرب بترنجبين وسفرجل مربى أسهل صفراء محضة.
وإذا طبخ القرع، وشرب ماؤه بشيء من عسل، وشيء من نطرون، أحدر بلغمًا ومرة معًا، وإذا دق وعمل منه ضماد على اليافوخ، نفع من الأورام الحارة في الدماغ.
وإذا عصرت جرادته، وخلط ماؤها بدهن الورد، وقطر منها في الأذن، نفعت من الأورام الحارة، وجرادته نافعة من أورام العين الحارة، ومن النقرس الحار، وهو شديد النفع لأصحاب الأمزجة الحارة والمحمومين، ومتى صادف في المعدة خلطًا رديئًا، استحال إلى طبيعته، وفسد، وولد في البدن خلطًا رديئًا، ودفع مضرته بالخل والمري.
وبالجملة فهو من ألطف الأغذية، وأسرعها انفعالًا، ويذكر عن أنس، رضي الله عنه أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يكثر من أكله.
من كتاب الطب النبوي _ولكم مني جزيل الشكر