حرف الدال
دهن
روى الترمذي في كتاب الشمائل من حديث أنس بن مالك رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يكثر دهن رأسه، وتسريح لحيته، ويكثر القناع كأن ثوبه ثوب زيات.
الدهن يسد مسام البدن، ويمنع ما يتحلل منه، وإذا استعمل به بعد الاغتسال بالماء الحار، حسن البدن ورطبه، وإن دهن به الشعر حسنه وطوله، ونفع من الحصبة، ودفع أكثر الآفات عنه.
وفي الترمذي: من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ مرفوعًا: (كلوا الزيت وادهنوا به). وسيأتي إن شاء الله تعالى.
والدهن في البلاد الحارة، كالحجاز ونحوه من آكد أسباب حفظ الصحة وإصلاح البدن، وهو كالضروري لهم، وأما البلاد الباردة، فلا يحتاج إليه أهلها، والإلحاح به في الرأس فيه خطر بالبصر.
وأنفع الأدهان البسيطة: الزيت، ثم السمن، ثم الشيرج.
وأما المركبة: فمنها بارد رطب، كدهن البنفسج ينفع من الصداع الحار، وينوم أصحاب السهر، ويرطب الدماغ، وينفع من الشقاق، وغلبة اليبس، والجفاف، ويطلى به الجرب، والحكة اليابسة، فينفعها ويسهل حركة المفاصل، ويصلح لأصحاب الأمزجة الحارة في زمن الصيف، وفيه حديثان باطلان موضوعان على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحدهما: (فضل دهن البنفسج على سائر الأدهان، كفضلي على سائر الناس).
والثاني: (فضل دهن البنفسج على سائر الأدهان، كفضل الإسلام على سائر الأديان).
ومنها: حار رطب، كدهن البان، ولس دهن زهره، بل دهن يستخرج من حب أبيض أغبر نحو الفستق، كثير الدهنية والدسم، ينفع من صلابة العصب، ويلينه، وينفع من البرش والنمش، والكلف والبهق، ويسهل بلغمًا غليظًا، ويلين الأوتار اليابسة، ويسخن العصب، وقد روي فيه حديث باطل مختلق لا أصل له: (ادهنوا بالبان، فإنه أحظى لكم عند نسائكم). ومن منافعه أنه يجلو الأسنان، ويكسبها بهجة، وينقيها من الصدأ، ومن مسح به وجهه وأطرافه لم يصبه حصى ولا شقاق، وإذا دهن به حقوه ومذاكيره وما والاها، نفع من برد الكليتين، وتقطير البول.
حرف الذال
ذريرة
ثبت في الصحيحين: عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: طيبت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بيدي، بذريرة في حجة الوداع لحله وإحرامه. تقدم الكلام في الذريرة ومنافعها وما هيتها، فلا حاجة لإعادته.
ذباب: تقدم في حديث أبي هريرة المتفق عليه في أمره ـ صلى الله عليه وسلم ـ بغمس الذباب في الطعام إذا سقط فيه لأجل الشفاء الذي في جناحه، وهو كالترياق للسم الذي في الجناح الآخر، وذكرنا منافع الذباب هناك.
ذهب: روى أبو داود، والترمذي: (أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رخص لعرفجة بن أسعد لما قطع أنفه يوم الكلاب، واتخذ أنفًا من ورق، فأنتن عليه، فأمره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يتخذ أنفًا من ذهب). وليس لعرفجة عندهم غير هذا الحديث الواحد.
الذهب
زينة الدنيا، وطلسم الوجود، ومفرح النفوس، ومقوي الظهور، وسر الله في أرضه، ومزاجه في سائر الكيفيات، وفيه حرارة لطيفة تدخل في سائر المعجونات اللطيفة والمفرحات، وهو أعدل المعادن على الإطلاق وأشرفها.
ومن خواصه أنه إذا دفن في الأرض، لم يضره التراب، ولم ينقصه شيئًا، وبرادته إذا خلطت بالأدوية، نفعت من ضعف القلب، والرجفان العارض من السوداء، وينفع من حديث النفس، والحزن، والغم، والفزع، والعشق، ويسمن البدن، ويقويه، ويذهب الصفار، ويحسن اللون، وينفع من الجذام، وجميع الأوجاع والأمراض السوداوية، ويدخل بخاصية في أدوية داء الثعلب، وداء الحية شربًا وطلاء، ويجلو العين ويقويها، وينفع من كثير من أمراضها، ويقوي جميع الأعضاء.
وإمساكه في الفم يزيل البخر، ومن كان به مرض يحتاج إلى الكي، وكوي به، لم يتنفط موضعه، ويبرأ سريعًا، وإن اتخذ منه ميلًا واكتحل به، قوى العين وجلاها، وإذا اتخذ منه خاتم فصه منه وأحمي، وكوي به قوادم أجنحة الحمام، ألفت أبراجها، ولم تنتقل عنها.
وله خاصية عجيبة في تقوية النفوس، لأجلها أبيح في الحرب والسلاح منه ما أبيح، وقد روى الترمذي من حديث مزيدة العصري رضي الله عنه، قال: دخل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم الفتح، وعلى سيفه ذهب وفضة.
وهو معشوق النفوس التي متى ظفرت به، سلاها عن غيره من محبوبات الدنيا، قال تعالى: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث)، [آل عمران: 14].
وفي الصحيحين: عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (لو كان لابن آدم واد من ذهب لابتغى إليه ثانيًا، ولو كان له ثان، لابتغى إليه ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب).
هذا وإنه أعظم حائل بين الخليقة وبين فوزها الأكبر يوم معادها، وأعظم شيء عصى الله به، وبه قطعت الأرحام، وأريقت الدماء، واستحلت المحارم، ومنعت الحقوق، وتظالم العباد، وهو المرغب في الدنيا وعاجلها، والمزهد في الآخرة وما أعده الله لأوليائه فيها، فكم أميت به من حق، وأحيي به من باطل، ونصر به ظالم، وقهر به مظلوم، وما أحسن ما قال فيه الحريري:
تبـًا لـه مـن خـادع ممــاذق** أصفـر ذي وجـهـيـن كـالمـنافق**
يبـدو بـوصـفيـن لـعين الرامق زيــنة مــعـشـوق ولون عاشق **
وحبـه عند ذوي الحقـــائـق ** يدعو إلى ارتكاب سخط الخــالق
لولاه لـم تقـطع يمين السارق ** ولا بـدت مـظـلمـة مــن فــاسق
ولا اشـمــأز بـاخــل مــن طـارق ** ولا اشتكى الممطول مطل العائق
ولا اسـتـعـيـذ مـن حسـود راشـق** وشـر ما فيــه مــن الخلائـق
أن ليس يغني عنك في المضـايق ** إلا إذا فـــــر فـــــرار الآبـــق
حرف الراء
رطب
قال الله تعالى لمريم: {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا } [مريم: 25].
وفي الصحيحين عن عبد الله بن جعفر، قال: رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأكل القثاء بالرطب.
وفي سنن أبي داود عن أنس قال: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات، حسا حسوات من ماء.
طبع الرطب طبع المياه حار رطب، يقوي المعدة الباردة ويوافقها، ويزيد في الباه، ويخصب البدن، ويوافق أصحاب الأمزجة الباردة ويغذو غذاء كثيرًا.
وهو من أعظم الفاكهة موافقة لأهل المدينة وغيرها من البلاد التي هو فاكهتهم فيها، وأنفعها للبدن، وإن كان من لم يعتده يسرع التعفن في جسده، ويتولد عنه دم ليس بمحمود، ويحدث في إكثاره منه صداع وسوداء، ويؤذي أسنانه، وإصلاحه بالسكنجبين ونحوه.
وفي فطر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الصوم عليه، أو على التمر، أو الماء تدبير لطيف جدًا، فإن الصوم يخلي المعدة من الغذاء، فلا تجد الكبد فيها ما تجذبه وترسله إلى القوى والأعضاء، والحلو أسرع شيء وصولًا إلى الكبد، وأحبه إليها، ولا سيما إن كان رطبًا، فيشتد قبولها له، فتنتفع به هي والقوى، فإن لم يكن، فالتمر لحلاوته وتغذيته، فإن لم يكن، فحسوات الماء تطفئ لهيب المعدة، وحرارة الصوم، فتتنبه بعده للطعام، وتأخذه بشهوة.
ريحان
قال تعالى: {فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم} [الواقعة: 88]. وقال تعالى: {والحب ذو العصف والريحان} [الرحمن: 12].
وفي صحيح مسلم عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (من عرض عليه ريحان، فلا يرده، فإنه خفيف المحمل طيب الرائحة).
وفي سنن ابن ماجه: من حديث أسامة رضي الله عنه، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (ألا مشمر للجنة، فإن الجنة لا خطر لها، هي ورب الكعبة، نور يتلألأ، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد وثمرة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة في مقام أبدًا، في حبرة ونضرة، في دور عالية سليمة بهتة، قالوا: نعم يا رسول الله، نحن المشمرون لها قال: قولوا: إن شاء الله تعالى، فقال القوم: إن شاء الله).
الريحان كل نبت طيب الريح، فكل أهل بلد يخصونه بشيء من ذلك، فأهل الغرب يخصونه بالآس، وهو الذي يعرفه العرب من الريحان، وأهل العراق والشام يخصونه بالحبق.
فأما الآس، فمزاجه بارد في الأولى، يابس في الثانية، وهو مع ذلك مركب من قوى متضادة، والأكثر فيه الجوهر الأرضي البارد، وفيه شيء حار لطيف، وهو يجفف تجفيفًا قويًا، وأجزاؤه متقاربة القوة، وهي قوة قابضة حابسة من داخل وخارج معًا.
وهو قاطع للإسهال الصفراوي، دافع للبخار الحار الرطب إذا شم، مفرح للقلب تفريحًا شديدًا، وشمه مانع للوباء، وكذلك افتراشه في البيت.
ويبرئ الأورام الحادثة في الحالبين إذا وضع عليها، وإذا دق ورقه وهو غض وضرب بالخل، ووضع على الرأس، قطع الرعاف، وإذا سحق ورقه اليابس، وذر على القروح ذوات الرطوبة نفعها، ويقوي الأعضاء الواعية إذا ضمد به، وينفع داء الداحس، وإذا ذر على البثور والقروح التي في اليدين والرجلين، نفعها.
وإذا دلك به البدن قطع العرق، ونشف الرطوبات الفضلية، وأذهب نتن الإبط، وإذا جلس في طبيخه، نفع من خراريج المقعدة والرحم، ومن استرخاء المفاصل، وإذا صب على كسور العظام التي لم تلتحم، نفعها.
ويجلو قشور الرأس وقروحه الرطبة، وبثوره، ويمسك الشعر المتساقط ويسوده، وإذا دق ورقه، وصب عليه ماء يسير، وخلط به شيء من زيت أو دهن الورد، وضمد به، وافق القروح الرطبة والنملة والحمرة، والأورام الحادة، والشرى والبواسير.
وحبه نافع من نفث الدم العارض في الصدر والرئة، دابغ للمعدة وليس بضار للصدر ولا الرئة لجلاوته، وخاصيته النفع من استطلاق البطن مع السعال، وذلك نادر في الأدوية، وهو مدر للبول، نافع من لذغ المثانة وعض الرتيلاء، ولسع العقارب، والتخلل بعرقه مضر، فليحذر.
وأما الريحان الفارسي الذي يسمى الحبق، فحار في أحد القولين، ينفع شمه من الصداع الحار إذا رش عليه الماء، ويبرد، ويرطب بالعرض، وبارد في الاخر، وهل هو رطب أو يابس؟ على قولين. والصحيح: أن فيه من الطبائع الأربع، ويجلب النوم،وبزره حابس للإسهال الصفراوي، ومسكن للمغص، مقو للقلب، نافع للأمراض السوداوية.
قال تعالى: {فيهما فاكهة ونخل ورمان} [الرحمن: 68]. ويذكر عن ابن عباس موقوفًا ومرفوعًا: (ما من رمان من رمانكم هذا إلا وهو ملقح بحبة من رمان الجنة) والموقوف أشبه. وذكر حرب وغيره عن علي أنه قال كلوا الرمان بشحمه، فإنه دباغ المعدة.
حلو الرمان حار رطب، جيد للمعدة، مقو لها بما فيه من قبض لطيف، نافع للحلق والصدر والرئة، جيد للسعال، ماؤه ملين للبطن، يغذو البدن غذاءً فاضلًا يسيرًا، سريع التحلل لرقته ولطافته، ويولد حرارة يسيرة في المعدة وريحًا، ولذلك يعين على الباه، ولا يصلح للمحمومين، وله خاصية عجيبة إذا أكل بالخبز يمنعه من الفساد في المعدة.
وحامضه بارد يابس، قابض لطيف، ينفع المعدة الملتهبة، ويدر البول أكثر من غيره من الرمان، ويسكن الصفراء، ويقطع الإسهال، ويمنع القيء، ويلطف الفضول.
ويطفئ حرارة الكبد ويقوي الأعضاء، نافع من الخفقان الصفراوي، والآلام العارضة للقلب، وفم المعدة، ويقوي المعدة، ويدفع الفضول عنها، ويطفئ المرة الصفراء والدم.
وإذا استخرج ماؤه بشحمه، وطبخ بيسير من العسل حتى يصير كالمرهم واكتحل به، قطع الصفرة من العين، ونقاها من الرطوبات الغليظة، وإذا لطخ على اللثة، نفع من الأكلة العارضة لها، وإن استخرج ماؤهما بشحمهما، أطلق البطن، وأحدر الرطوبات العفنة المرية، ونفع من حميات الغب المتطاولة.
وأما الرمان المز، فمتوسط طبعًا وفعلًا بين النوعين، وهذا أميل إلى لطافة الحامض قليلًا، وحب الرمان مع العسل طلاء للداحس والقروح الخبيثة، وأقماعه للجراحات، قالوا ومن ابتلع ثلاثة من جنبذ الرمان في كل سنة، أمن من الرمد سنته كلها.
حرف الزاي
زيت
قال تعالى: {يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار} [النور:35]. وفي الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (كلوا الزيت وادهنوا به، فإنه من شجرة مباركة).
وللبيهقي، وابن ماجه أيضًا عن ابن عمر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (ائتدموا بالزيت، وادهنوا به، فإنه من شجرة مباركة).
الزيت حار رطب في الأولى، وغلط من قال يابس، والزيت بحسب زيتونه، فالمعتصر من النضيج أعدله وأجوده، ومن الفج فيه برودة ويبوسة، ومن الزيتون الأحمر متوسط بين الزيتين، ومن الأسود يسخن ويرطب باعتدال، وينفع من السموم، ويطلق البطن، ويخرج الدود، والعتيق منه أشد تسخينًا وتحليلًا، وما استخرج منه بالماء، فهو أقل حرارة، وألطف وأبلغ في النفع، وجميع أصنافه ملينة للبشرة، وتبطئ الشيب.
وماء الزيتون المالح يمنع من تنفط حرق النار، ويشد اللثة، وورقه ينفع من الحمرة، والنملة، والقروح الوسخة، والشرى، ويمنع العرق، ومنافعه أضعاف ما ذكرنا.
زبد
روى أبو داود في سننه، عن ابني بسر السلميين رضي الله عنهما قالا: دخل علينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقدمنا له زبدًا وتمرًا، وكان يحب الزبد والتمر.
الزبد حار رطب، فيه منافع كثيرة، منها الإنضاج والتحليل، ويبرئ الأورام التي تكون إلى جانب الأذنين والحالبين، وأورام الفم، وسائر الأورام التي تعرض في أبدان النساء والصبيان إذا استعمل وحده، وإذا لعق منه، نفع في نفث الدم الذي يكون من الرئة، وأنضج الأورام العارضة فيها.
وهو ملين للطبيعة، والعصب، والأورام الصلبة العارضة من المرة السوداء والبلغم، نافع من اليبس العارض في البدن، واذا طلي به على منابت أسنان الطفل، كان معينًا على نباتها وطلوعها، وهو نافع من السعال العارض من البرد واليبس، ويذهب القوباء والخشونة التي في البدن، ويلين الطبيعة، ولكنه يضعف شهوة الطعام، ويذهب بوخامته الحلو، كالعسل والتمر، وفي جمعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين التمر وبينه من الحكمة إصلاح كل منهما بالآخر.
زبيب
روي فيه حديثان لا يصحان. أحدهما (نعم الطعام الزبيب يطيب النكهة، ويذيب البلغم). والثاني (نعم الطعام الزبيب يذهب النصب، ويشد العصب، ويطفئ الغضب، ويصفي اللون، ويطيب النكهة). وهذا أيضًا لا يصح فيه شيء عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
وبعد فأجود الزبيب ما كبر جسمه، وسمن شحمه ولحمه، ورق قشره، ونزع عجمه، وصغر حبه.
وجرم الزبيب حار رطب في الأولى، وحبه بارد يابس، وهو كالعنب المتخذ منه، الحلو منه الحار، والحامض قابض بارد، والأبيض أشد قبضًا من غيره، وإذا أكل لحمه، وافق قصبة الرئة، ونفع من السعال، ووجع الكلى، والمثانة، ويقوي المعدة، ويلين البطن.
والحلو اللحم أكثر غذاء من العنب، وأقل غذاء من التين اليابس، وله قوة منضجة هاضمة قابضة محللة باعتدال، وهو بالجملة يقوي المعدة والكبد والطحال، نافع من وجع الحلق والصدر والرئة والكلى والمثانة، وأعدله أن يؤكل بغير عجمه.
وهو يغذي غذاء صالحًا، ولا يسدد كما يفعل التمر، وإذا أكل منه بعجمه كان أكثر نفعًا للمعدة والكبد والطحال، وإذا لصق لحمه على الأظافير المتحركة.
أسرع قلعها، والحلو منه وما لا عجم له نافع لأصحاب الرطوبات والبلغم، وهو يخصب الكبد، وينفعها بخاصيه.
وفيه نفع للحفظ قال الزهري من أحب أن يحفظ الحديث، فليأكل الزبيب، وكان المنصور يذكر عن جده عبد الله بن عباس عجمه داء، ولحمه دواء.
زنجبيل
قال تعالى {ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا} [الإنسان:17]. وذكر أبو نعيم في كتاب الطب النبوي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال أهدى ملك الروم إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جرة زنجبيل، فأطعم كل إنسان قطعة، وأطعمني قطعة.
الزنجبيل حار في الثانية، رطب في الأولى، مسخن معين على هضم الطعام، ملين للبطن تليينًا معتدلًا، نافع من سدد الكبد العارضة عن البرد والرطوبة، ومن ظلمة البصر الحادثة عن الرطوبة أكلًا واكتحالًا، معين على الجماع، وهو محلل للرياح الغليظة الحادثة في الأمعاء والمعدة.
وبالجملة فهو صالح للكبد والمعدة الباردتي المزاج، وإذا أخذ منه مع السكر وزن درهمين بالماء الحار، أسهل فضولًا لزجة لعابية، ويقع في المعجونات التي تحلل البلغم وتذيبه.
والمزي منه حار يابس يهيج الجماع، ويزيد في المني، ويسخن المعدة والكبد، ويعين على الاستمراء، وينشف البلغم الغالب على البدن ويزيد في الحفظ، ويوافق برد الكبد والمعدة، ويزيل بلتها الحادثة عن أكل الفاكهة، ويطيب النكهة، ويدفع به ضرر الأطعمة الغليظة الباردة.
حرف السين
سنا
قد تقدم، وتقدم سنوت أيضًا، وفيه سبعة أقوال، أحدها أنه العسل.
الثاني أنه رب عكة السمن يخرج خططًا سوداء على السمن. الثالث أنه حب يشبه الكمون، وليس بكمون. الرابع الكمون الكرماني. الخامس أنه الشبت، السادس أنه التمر. السابع أنه الرازيانج.
سفرجل
روى ابن ماجه في سننه من حديث إسماعيل بن محمد الطلحي، عن نقيب بن حاجب، عن أبي سعيد، عن عبد الملك الزبيري، عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال دخلت على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبيده سفرجلة، فقال (دونكها يا طلحة، فإنها تجم الفؤاد).
ورواه النسائي من طريق آخر، وقال أتيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو في جماعة من أصحابه، وبيده سفرجلة يقلبها، فلما جلست إليه، دحا بها إلي ثم قال (دونكها أبا ذر، فإنها تشد القلب، وتطيب النفس، وتذهب بطخاء الصدر).
وقد روي في السفرجل أحاديث أخر، هذا أمثلها، ولا تصح.
والسفرجل بارد يابس، ويختلف في ذلك باختلاف طعمه، وكله بارد قابض، جيد للمعدة، والحلو منه أقل برودة ويبسًا، وأميل إلى الإعتدال، والحامض أشد قبضًا ويبسًا وبرودة، وكله يسكن العطس والقئ، ويدر البول، ويعقل الطبع، وينفع من قرحة الأمعاء، ونفث الدم، والهيضة، وينفع من الغثيان، ويمنع من تصاعد الأبخرة إذا استعمل بعد الطعام، وحراقة أغصانه وورقه المغسولة كالتوتياء في فعلها.
وهو قبل الطعام يقبض، وبعده يلين الطبع، ويسرع بانحدار الثفل، والإكثار منه مضر بالعصب، مولد للقولنج، ويطفئ المرة الصفراء المتولدة في المعدة.
وإن شوي كان أقل لخشونته، وأخف، وإذا قور وسطه، ونزع حبه، وجعل فيه العسل، وطين جرمه بالعجين، وأودع الرماد الحار، نفع نفعًا حسنًا.
وأجود ما أكل مشويًا أو مطبوخًا بالعسل، وحبه ينفع من خشونة الحلق، وقصبة الرئة، وكثير من الأمراض، ودهنه يمنع العرق، ويقوي المعدة، والمربى منه يقوي المعدة والكبد، ويشد القلب، ويطيب النفس.
ومعنى تجم الفؤاد تريحه. وقيل تفتحه وتوسعه، من جمام الماء، وهو اتساعه وكثرته، والطخاء للقلب مثل الغيم على السماء. قال أبو عبيد الطخاء ثقل وغشي، تقول ما في السماء طخاء، أي سحاب وظلمة.
سواك
في الصحيحين عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ (لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة).
وفيهما أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك.
وفي صحيح البخاري تعليقًا عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ).
وفي صحيح مسلم أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا دخل بيته، بدأ بالسواك.
والأحاديث فيه كثيرة، وصح عنه من حديث أنه استاك عند موته بسواك عبد الرحمن بن أبي بكر، وصح عنه أنه قال: (أكثرت عليكم في السواك).
وأصلح ما اتخذ السواك من خشب الأراك ونحوه، ولا ينبغي أن يؤخذ من شجرة مجهولة، فربما كانت سمًا، وينبغي القصد في استعماله، فإن بالغ فيه، فربما أذهب طلاوة الأسنان وصقالتها، وهيأها لقبول الأبخرة المتصاعدة من المعدة والأوساخ، ومتى استعمل باعتدال، جلا الأسنان، وقوى العمود، وأطلق اللسان، ومنع الحفر، وطيب النكهة، ونقى الدماغ وشهى الطعام.
وأجود ما استعمل مبلولًا بماء الورد، ومن أنفعه أصول الجوز، قال صاحب التيسير زعموا أنه إذا استاك به المستاك كل خامس من الأيام، نقى الرأس، وصفى الحواس، وأحد الذهن.
وفي السواك عدة منافع يطيب الفم، ويشد اللثة، ويقطع البلغم، ويجلو البصر، ويذهب بالحفر، ويصح المعدة، ويصفي الصوت، ويعين على هضم الطعام، ويسهل مجاري الكلام، وينشط للقراءة، والذكر والصلاة، ويطرد النوم، ويرضي الرب، ويعجب الملائكة، ويكثر الحسنات.
ويستحب كل وقت، ويتأكد عند الصلاة والوضوء، والإنتباه من النوم، وتغيير رائحة الفم، ويستحب للمفطر والصائم في كل وقت لعموم الأحاديث فيه، ولحاجة الصائم إليه، ولأنه مرضاة للرب، ومرضاته مطلوبة في الصوم أشد من طلبها في الفطر، ولأنه مطهرة للفم، والطهور للصائم من أفضل أعماله.
وفي السنن عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه، قال رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما لا أحصي يستاك، وهو صائم وقال البخاري قال: ابن عمر يستاك أول النهار وآخره.
وأجمع الناس على أن الصائم يتمضمض وجوبًا واستحبابًا، والمضمضة أبلغ من السواك، وليس لله غرض في التقرب إليه بالرائحة الكريهة، ولا هي من جنس ما شرع التعبد به، وإنما ذكر طيب الخلوف عند الله يوم القيامة حثًا منه على الصوم، لا حثًا على إبقاء الرائحة، بل الصائم أحوج إلى السواك من المفطر.
وأيضًا فإن رضوان الله أكبر من استطابته لخلوف فم الصائم.
وأيضًا فإن محبته للسواك أعظم من محبته لبقاء خلوف فم الصائم.
وأيضًا فإن السواك لا يمنع طيب الخلوف الذي يزيله السواك عند الله يوم القيامة، بل يأتي الصائم يوم القيامة، وخلوف فمه أطيب من المسك علامة على صيامه، ولو أزاله بالسواك، كما أن الجريح يأتي يوم القيامة، ولون دم جرحه لون الدم، وريحه ريح المسك، وهو مأمور بإزالته في الدنيا.
وأيضًا فإن الخلوف لا يزول بالسواك، فإن سببه قائم، وهو خلو المعدة عن الطعام، وإنما يزول أثره، وهو المنعقد على الأسنان واللثة.
وأيضًا فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ علم أمته ما يستحب لهم في الصيام، وما يكره لهم، ولم يجعل السواك من القسم المكروه، وهو يعلم أنهم يفعلونه، وقد حضهم عليه بأبلغ ألفاظ العموم والشمول، وهم يشاهدونه يستاك وهو صائم مرارًا كثيرة تفوت الإحصاء، ويعلم أنهم يقتدون به، ولم يقل لهم يومًا من الدهر لا تستاكوا بعد الزوال، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع، والله أعلم.
سمن
روى محمد بن جرير الطبري بإسناده، من حديث صهيب يرفعه (عليكم بألبان البقر، فإنها شفاء، وسمنها دواء، ولحومها داء). رواه عن أحمد بن الحسن الترمذي، حدثنا محمد بن موسى النسائي، حدثنا دفاع بن دغفل السدوسي، عن عبد الحميد بن صيفي بن صهيب، عن أبيه عن جده، ولا يثبت ما في هذا الإسناد.
والسمن حار رطب في الأولى، وفيه جلاء يسير، ولطافة وتفشية الأورام الحادثة من الأبدان الناعمة، وهو أقوى من الزبد في الإنضاج والتليين، وذكر جالينوس أنه أبرأ به الأورام الحادثة في الأذن، وفي الأرنبة، وإذا دلك به موضع الأسنان، نبتت سريعًا، وإذا خلط مع عسل ولوز مر، جلا ما في الصدر والرئة، والكيموسات الغليظة اللزجة، إلا أنه ضار بالمعدة، سيما إذا كان مزاج صاحبها بلغميًا.
وأما سمن البقر والمعز، فإنه إذا شرب مع العسل نفع من شرب السم القاتل ومن لدغ الحيات والعقارب، وفي كتاب ابن السني، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لم يستشف الناس بشيء أفضل من السمن.
سمك
روى الإمام أحمد بن حنبل، وابن ماجه في سننه من حديث عبد الله بن عمر، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (أحلت لنا ميتتان ودمان السمك والجراد، والكبد والطحال).
أصناف السمك كثيرة، وأجوده ما لذ طعمه، وطاب ريحه، وتوسط مقداره، وكان رقيق القشر، ولم يكن صلب اللحم ولا يابسه، وكان في ماء عذب حار على الحصباء، ويغتذي بالنبات لا الأقذار، وأصلح أماكنه ما كان في نهر جيد الماء، وكان يأوي إلى الأماكن الصخرية، ثم الرملية، والمياه الجارية العذبة التي لا قذر فيها، ولا حمأة، الكثيرة الاضطراب والتموج، المكشوفة للشمس والرياح.
والسمك البحري فاضل، محمود، لطيف، والطري منه بارد رطب، عسر الإنهضام، يولد بلغمًا كثيرًا، إلا البحري وما جرى مجراه، فانه يولد خلطًا محمودًا، وهو يخصب البدن، ويزيد في المني، ويصلح الأمزجة الحارة.
وأما المالح، فأجوده ما كان قريب العهد بالتملح، وهو حار يابس، وكلما تقادم عهده ازداد حره ويبسه، والسلور منه كثير اللزوجة، ويسمى الجري، واليهود لا تأكله، وإذا أكل طريًا، كان ملينًا للبطن، وإذا ملح وعتق وأكل، صفى قصبة الرئة، وجود الصوت، وإذا دق ووضع من خارج، أخرج السلى والفضول من عمق البدن من طريق أن له قوة جاذبة.
وماء ملح الجري المالح إذا جلس فيه من كانت به قرحة الأمعاء في ابتداء العلة، وافقه بجذبه المواد إلى ظاهر البدن، واذا احتقن به، أبرأ من عرق النسا.
وأبرد ما في السمك ما قرب من مؤخرها، والطري السمين منه يخصب البدن لحمه وودكه. وفي الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال بعثنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ثلاثمائة راكب، وأميرنا أبو عبيدة بن الجراح، فأتينا الساحل، فأصابنا جوع شديد، حتى أكلنا الخبط، فألقى لنا البحر حوتًا يقال لها عنبر، فأكلنا منه نصف شهر، وائتدمنا بودكه حتى ثابت أجسامنا، فأخذ أبو جميدة ضلعًا من أضلاعه، وحمل رجلًا على بعيره، ونصبه، فمر تحته.
سلق
روى الترمذي وأبو داود، عن أم المنذر، قالت: (دخل علي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومعه علي رضي الله عنه، ولنا دوال معلقة، قالت فجعل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأكل وعلي معه يأكل، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مه يا علي فإنك ناقه، قالت فجعلت لهم سلقًا وشعيرًا، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يا علي فأصب من هذا، فإنه أوفق لك). قال الترمذي حديث حسن غريب.
السلق حار يابس في الأولى، وقيل رطب فيها، وقيل مركب منهما، وفيه برودة ملطفة، وتحليل. وتفتيح، وفي الأسود منه قبض ونفع من داء الثعلب، والكلف، والحزاز، والثآليل إذا طلي بمائه، ويقتل القمل، ويطلى به القوباء مع العسل، ويفتح سدد الكبد والطحال، وأسوده يعقل البطن، ولا سيما مع العدس، وهما رديئان. والأبيض يلين مع العدس، ويحقن بمائه للإسهال، وينفع من القولنج مع المري والتوابل، وهو قليل الغذاء، رديء الكيموس، يحرق الدم، ويصلحه الخل والخردل، والإكثار منه يولد القبض والنفخ.
حرف الشين
شونيز
هو الحبة السوداء، وقد تقدم في حرف الحاء.
شبرم روى الترمذي، وابن ماجه في سننهما من حديث أسماء بن عميس، قالت قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
(بماذا كنت تستمشين؟ قالت بالشبرم. قال حار جار).
الشبرم
شجر صغير وكبير، كقامة الرجل وأرجح، له قضبان حمر ملمعة ببياض، وفي رؤوس قضبانه جمة من ورق، وله نور صغار أصفر إلى البياض، يسقط ويخلفه مراود صغار فيها حب صغير مثل البطم، قي قدره، أحمر اللون، ولها عروق عليها قشور حمر، والمستعمل منه قشر عروقه، ولبن قضبانه.
وهو حار يابس في الدرجة الرابعة، ويسهل السوداء، والكيموسات الغليظة، والماء الأصفر، والبلغم، مكرب، مغث، والإكثار منه يقتل، وينبغي إذا استعمل أن ينقع في اللبن الحليب يومًا وليلة، ويغير عليها اللبن في اليوم مرتين أو ثلاثًا، ويخرج، ويجفف في الظل، ويخلط معه الورود والكثيراء، ويشرب بماء العسل، أو عصير العنب، والشربة منه ما بين أربع دوانق على حسب القوة، قال حنين أما لبن الشبرم، فلا خير فيه، ولا أرى شربه البتة، فقد قتل به أطباء الطرقات كثيرًا من الناس.
دهن
روى الترمذي في كتاب الشمائل من حديث أنس بن مالك رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يكثر دهن رأسه، وتسريح لحيته، ويكثر القناع كأن ثوبه ثوب زيات.
الدهن يسد مسام البدن، ويمنع ما يتحلل منه، وإذا استعمل به بعد الاغتسال بالماء الحار، حسن البدن ورطبه، وإن دهن به الشعر حسنه وطوله، ونفع من الحصبة، ودفع أكثر الآفات عنه.
وفي الترمذي: من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ مرفوعًا: (كلوا الزيت وادهنوا به). وسيأتي إن شاء الله تعالى.
والدهن في البلاد الحارة، كالحجاز ونحوه من آكد أسباب حفظ الصحة وإصلاح البدن، وهو كالضروري لهم، وأما البلاد الباردة، فلا يحتاج إليه أهلها، والإلحاح به في الرأس فيه خطر بالبصر.
وأنفع الأدهان البسيطة: الزيت، ثم السمن، ثم الشيرج.
وأما المركبة: فمنها بارد رطب، كدهن البنفسج ينفع من الصداع الحار، وينوم أصحاب السهر، ويرطب الدماغ، وينفع من الشقاق، وغلبة اليبس، والجفاف، ويطلى به الجرب، والحكة اليابسة، فينفعها ويسهل حركة المفاصل، ويصلح لأصحاب الأمزجة الحارة في زمن الصيف، وفيه حديثان باطلان موضوعان على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحدهما: (فضل دهن البنفسج على سائر الأدهان، كفضلي على سائر الناس).
والثاني: (فضل دهن البنفسج على سائر الأدهان، كفضل الإسلام على سائر الأديان).
ومنها: حار رطب، كدهن البان، ولس دهن زهره، بل دهن يستخرج من حب أبيض أغبر نحو الفستق، كثير الدهنية والدسم، ينفع من صلابة العصب، ويلينه، وينفع من البرش والنمش، والكلف والبهق، ويسهل بلغمًا غليظًا، ويلين الأوتار اليابسة، ويسخن العصب، وقد روي فيه حديث باطل مختلق لا أصل له: (ادهنوا بالبان، فإنه أحظى لكم عند نسائكم). ومن منافعه أنه يجلو الأسنان، ويكسبها بهجة، وينقيها من الصدأ، ومن مسح به وجهه وأطرافه لم يصبه حصى ولا شقاق، وإذا دهن به حقوه ومذاكيره وما والاها، نفع من برد الكليتين، وتقطير البول.
حرف الذال
ذريرة
ثبت في الصحيحين: عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: طيبت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بيدي، بذريرة في حجة الوداع لحله وإحرامه. تقدم الكلام في الذريرة ومنافعها وما هيتها، فلا حاجة لإعادته.
ذباب: تقدم في حديث أبي هريرة المتفق عليه في أمره ـ صلى الله عليه وسلم ـ بغمس الذباب في الطعام إذا سقط فيه لأجل الشفاء الذي في جناحه، وهو كالترياق للسم الذي في الجناح الآخر، وذكرنا منافع الذباب هناك.
ذهب: روى أبو داود، والترمذي: (أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رخص لعرفجة بن أسعد لما قطع أنفه يوم الكلاب، واتخذ أنفًا من ورق، فأنتن عليه، فأمره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يتخذ أنفًا من ذهب). وليس لعرفجة عندهم غير هذا الحديث الواحد.
الذهب
زينة الدنيا، وطلسم الوجود، ومفرح النفوس، ومقوي الظهور، وسر الله في أرضه، ومزاجه في سائر الكيفيات، وفيه حرارة لطيفة تدخل في سائر المعجونات اللطيفة والمفرحات، وهو أعدل المعادن على الإطلاق وأشرفها.
ومن خواصه أنه إذا دفن في الأرض، لم يضره التراب، ولم ينقصه شيئًا، وبرادته إذا خلطت بالأدوية، نفعت من ضعف القلب، والرجفان العارض من السوداء، وينفع من حديث النفس، والحزن، والغم، والفزع، والعشق، ويسمن البدن، ويقويه، ويذهب الصفار، ويحسن اللون، وينفع من الجذام، وجميع الأوجاع والأمراض السوداوية، ويدخل بخاصية في أدوية داء الثعلب، وداء الحية شربًا وطلاء، ويجلو العين ويقويها، وينفع من كثير من أمراضها، ويقوي جميع الأعضاء.
وإمساكه في الفم يزيل البخر، ومن كان به مرض يحتاج إلى الكي، وكوي به، لم يتنفط موضعه، ويبرأ سريعًا، وإن اتخذ منه ميلًا واكتحل به، قوى العين وجلاها، وإذا اتخذ منه خاتم فصه منه وأحمي، وكوي به قوادم أجنحة الحمام، ألفت أبراجها، ولم تنتقل عنها.
وله خاصية عجيبة في تقوية النفوس، لأجلها أبيح في الحرب والسلاح منه ما أبيح، وقد روى الترمذي من حديث مزيدة العصري رضي الله عنه، قال: دخل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم الفتح، وعلى سيفه ذهب وفضة.
وهو معشوق النفوس التي متى ظفرت به، سلاها عن غيره من محبوبات الدنيا، قال تعالى: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث)، [آل عمران: 14].
وفي الصحيحين: عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (لو كان لابن آدم واد من ذهب لابتغى إليه ثانيًا، ولو كان له ثان، لابتغى إليه ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب).
هذا وإنه أعظم حائل بين الخليقة وبين فوزها الأكبر يوم معادها، وأعظم شيء عصى الله به، وبه قطعت الأرحام، وأريقت الدماء، واستحلت المحارم، ومنعت الحقوق، وتظالم العباد، وهو المرغب في الدنيا وعاجلها، والمزهد في الآخرة وما أعده الله لأوليائه فيها، فكم أميت به من حق، وأحيي به من باطل، ونصر به ظالم، وقهر به مظلوم، وما أحسن ما قال فيه الحريري:
تبـًا لـه مـن خـادع ممــاذق** أصفـر ذي وجـهـيـن كـالمـنافق**
يبـدو بـوصـفيـن لـعين الرامق زيــنة مــعـشـوق ولون عاشق **
وحبـه عند ذوي الحقـــائـق ** يدعو إلى ارتكاب سخط الخــالق
لولاه لـم تقـطع يمين السارق ** ولا بـدت مـظـلمـة مــن فــاسق
ولا اشـمــأز بـاخــل مــن طـارق ** ولا اشتكى الممطول مطل العائق
ولا اسـتـعـيـذ مـن حسـود راشـق** وشـر ما فيــه مــن الخلائـق
أن ليس يغني عنك في المضـايق ** إلا إذا فـــــر فـــــرار الآبـــق
حرف الراء
رطب
قال الله تعالى لمريم: {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا } [مريم: 25].
وفي الصحيحين عن عبد الله بن جعفر، قال: رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأكل القثاء بالرطب.
وفي سنن أبي داود عن أنس قال: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات، حسا حسوات من ماء.
طبع الرطب طبع المياه حار رطب، يقوي المعدة الباردة ويوافقها، ويزيد في الباه، ويخصب البدن، ويوافق أصحاب الأمزجة الباردة ويغذو غذاء كثيرًا.
وهو من أعظم الفاكهة موافقة لأهل المدينة وغيرها من البلاد التي هو فاكهتهم فيها، وأنفعها للبدن، وإن كان من لم يعتده يسرع التعفن في جسده، ويتولد عنه دم ليس بمحمود، ويحدث في إكثاره منه صداع وسوداء، ويؤذي أسنانه، وإصلاحه بالسكنجبين ونحوه.
وفي فطر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الصوم عليه، أو على التمر، أو الماء تدبير لطيف جدًا، فإن الصوم يخلي المعدة من الغذاء، فلا تجد الكبد فيها ما تجذبه وترسله إلى القوى والأعضاء، والحلو أسرع شيء وصولًا إلى الكبد، وأحبه إليها، ولا سيما إن كان رطبًا، فيشتد قبولها له، فتنتفع به هي والقوى، فإن لم يكن، فالتمر لحلاوته وتغذيته، فإن لم يكن، فحسوات الماء تطفئ لهيب المعدة، وحرارة الصوم، فتتنبه بعده للطعام، وتأخذه بشهوة.
ريحان
قال تعالى: {فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم} [الواقعة: 88]. وقال تعالى: {والحب ذو العصف والريحان} [الرحمن: 12].
وفي صحيح مسلم عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (من عرض عليه ريحان، فلا يرده، فإنه خفيف المحمل طيب الرائحة).
وفي سنن ابن ماجه: من حديث أسامة رضي الله عنه، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (ألا مشمر للجنة، فإن الجنة لا خطر لها، هي ورب الكعبة، نور يتلألأ، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد وثمرة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة في مقام أبدًا، في حبرة ونضرة، في دور عالية سليمة بهتة، قالوا: نعم يا رسول الله، نحن المشمرون لها قال: قولوا: إن شاء الله تعالى، فقال القوم: إن شاء الله).
الريحان كل نبت طيب الريح، فكل أهل بلد يخصونه بشيء من ذلك، فأهل الغرب يخصونه بالآس، وهو الذي يعرفه العرب من الريحان، وأهل العراق والشام يخصونه بالحبق.
فأما الآس، فمزاجه بارد في الأولى، يابس في الثانية، وهو مع ذلك مركب من قوى متضادة، والأكثر فيه الجوهر الأرضي البارد، وفيه شيء حار لطيف، وهو يجفف تجفيفًا قويًا، وأجزاؤه متقاربة القوة، وهي قوة قابضة حابسة من داخل وخارج معًا.
وهو قاطع للإسهال الصفراوي، دافع للبخار الحار الرطب إذا شم، مفرح للقلب تفريحًا شديدًا، وشمه مانع للوباء، وكذلك افتراشه في البيت.
ويبرئ الأورام الحادثة في الحالبين إذا وضع عليها، وإذا دق ورقه وهو غض وضرب بالخل، ووضع على الرأس، قطع الرعاف، وإذا سحق ورقه اليابس، وذر على القروح ذوات الرطوبة نفعها، ويقوي الأعضاء الواعية إذا ضمد به، وينفع داء الداحس، وإذا ذر على البثور والقروح التي في اليدين والرجلين، نفعها.
وإذا دلك به البدن قطع العرق، ونشف الرطوبات الفضلية، وأذهب نتن الإبط، وإذا جلس في طبيخه، نفع من خراريج المقعدة والرحم، ومن استرخاء المفاصل، وإذا صب على كسور العظام التي لم تلتحم، نفعها.
ويجلو قشور الرأس وقروحه الرطبة، وبثوره، ويمسك الشعر المتساقط ويسوده، وإذا دق ورقه، وصب عليه ماء يسير، وخلط به شيء من زيت أو دهن الورد، وضمد به، وافق القروح الرطبة والنملة والحمرة، والأورام الحادة، والشرى والبواسير.
وحبه نافع من نفث الدم العارض في الصدر والرئة، دابغ للمعدة وليس بضار للصدر ولا الرئة لجلاوته، وخاصيته النفع من استطلاق البطن مع السعال، وذلك نادر في الأدوية، وهو مدر للبول، نافع من لذغ المثانة وعض الرتيلاء، ولسع العقارب، والتخلل بعرقه مضر، فليحذر.
وأما الريحان الفارسي الذي يسمى الحبق، فحار في أحد القولين، ينفع شمه من الصداع الحار إذا رش عليه الماء، ويبرد، ويرطب بالعرض، وبارد في الاخر، وهل هو رطب أو يابس؟ على قولين. والصحيح: أن فيه من الطبائع الأربع، ويجلب النوم،وبزره حابس للإسهال الصفراوي، ومسكن للمغص، مقو للقلب، نافع للأمراض السوداوية.
قال تعالى: {فيهما فاكهة ونخل ورمان} [الرحمن: 68]. ويذكر عن ابن عباس موقوفًا ومرفوعًا: (ما من رمان من رمانكم هذا إلا وهو ملقح بحبة من رمان الجنة) والموقوف أشبه. وذكر حرب وغيره عن علي أنه قال كلوا الرمان بشحمه، فإنه دباغ المعدة.
حلو الرمان حار رطب، جيد للمعدة، مقو لها بما فيه من قبض لطيف، نافع للحلق والصدر والرئة، جيد للسعال، ماؤه ملين للبطن، يغذو البدن غذاءً فاضلًا يسيرًا، سريع التحلل لرقته ولطافته، ويولد حرارة يسيرة في المعدة وريحًا، ولذلك يعين على الباه، ولا يصلح للمحمومين، وله خاصية عجيبة إذا أكل بالخبز يمنعه من الفساد في المعدة.
وحامضه بارد يابس، قابض لطيف، ينفع المعدة الملتهبة، ويدر البول أكثر من غيره من الرمان، ويسكن الصفراء، ويقطع الإسهال، ويمنع القيء، ويلطف الفضول.
ويطفئ حرارة الكبد ويقوي الأعضاء، نافع من الخفقان الصفراوي، والآلام العارضة للقلب، وفم المعدة، ويقوي المعدة، ويدفع الفضول عنها، ويطفئ المرة الصفراء والدم.
وإذا استخرج ماؤه بشحمه، وطبخ بيسير من العسل حتى يصير كالمرهم واكتحل به، قطع الصفرة من العين، ونقاها من الرطوبات الغليظة، وإذا لطخ على اللثة، نفع من الأكلة العارضة لها، وإن استخرج ماؤهما بشحمهما، أطلق البطن، وأحدر الرطوبات العفنة المرية، ونفع من حميات الغب المتطاولة.
وأما الرمان المز، فمتوسط طبعًا وفعلًا بين النوعين، وهذا أميل إلى لطافة الحامض قليلًا، وحب الرمان مع العسل طلاء للداحس والقروح الخبيثة، وأقماعه للجراحات، قالوا ومن ابتلع ثلاثة من جنبذ الرمان في كل سنة، أمن من الرمد سنته كلها.
حرف الزاي
زيت
قال تعالى: {يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار} [النور:35]. وفي الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (كلوا الزيت وادهنوا به، فإنه من شجرة مباركة).
وللبيهقي، وابن ماجه أيضًا عن ابن عمر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (ائتدموا بالزيت، وادهنوا به، فإنه من شجرة مباركة).
الزيت حار رطب في الأولى، وغلط من قال يابس، والزيت بحسب زيتونه، فالمعتصر من النضيج أعدله وأجوده، ومن الفج فيه برودة ويبوسة، ومن الزيتون الأحمر متوسط بين الزيتين، ومن الأسود يسخن ويرطب باعتدال، وينفع من السموم، ويطلق البطن، ويخرج الدود، والعتيق منه أشد تسخينًا وتحليلًا، وما استخرج منه بالماء، فهو أقل حرارة، وألطف وأبلغ في النفع، وجميع أصنافه ملينة للبشرة، وتبطئ الشيب.
وماء الزيتون المالح يمنع من تنفط حرق النار، ويشد اللثة، وورقه ينفع من الحمرة، والنملة، والقروح الوسخة، والشرى، ويمنع العرق، ومنافعه أضعاف ما ذكرنا.
زبد
روى أبو داود في سننه، عن ابني بسر السلميين رضي الله عنهما قالا: دخل علينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقدمنا له زبدًا وتمرًا، وكان يحب الزبد والتمر.
الزبد حار رطب، فيه منافع كثيرة، منها الإنضاج والتحليل، ويبرئ الأورام التي تكون إلى جانب الأذنين والحالبين، وأورام الفم، وسائر الأورام التي تعرض في أبدان النساء والصبيان إذا استعمل وحده، وإذا لعق منه، نفع في نفث الدم الذي يكون من الرئة، وأنضج الأورام العارضة فيها.
وهو ملين للطبيعة، والعصب، والأورام الصلبة العارضة من المرة السوداء والبلغم، نافع من اليبس العارض في البدن، واذا طلي به على منابت أسنان الطفل، كان معينًا على نباتها وطلوعها، وهو نافع من السعال العارض من البرد واليبس، ويذهب القوباء والخشونة التي في البدن، ويلين الطبيعة، ولكنه يضعف شهوة الطعام، ويذهب بوخامته الحلو، كالعسل والتمر، وفي جمعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين التمر وبينه من الحكمة إصلاح كل منهما بالآخر.
زبيب
روي فيه حديثان لا يصحان. أحدهما (نعم الطعام الزبيب يطيب النكهة، ويذيب البلغم). والثاني (نعم الطعام الزبيب يذهب النصب، ويشد العصب، ويطفئ الغضب، ويصفي اللون، ويطيب النكهة). وهذا أيضًا لا يصح فيه شيء عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
وبعد فأجود الزبيب ما كبر جسمه، وسمن شحمه ولحمه، ورق قشره، ونزع عجمه، وصغر حبه.
وجرم الزبيب حار رطب في الأولى، وحبه بارد يابس، وهو كالعنب المتخذ منه، الحلو منه الحار، والحامض قابض بارد، والأبيض أشد قبضًا من غيره، وإذا أكل لحمه، وافق قصبة الرئة، ونفع من السعال، ووجع الكلى، والمثانة، ويقوي المعدة، ويلين البطن.
والحلو اللحم أكثر غذاء من العنب، وأقل غذاء من التين اليابس، وله قوة منضجة هاضمة قابضة محللة باعتدال، وهو بالجملة يقوي المعدة والكبد والطحال، نافع من وجع الحلق والصدر والرئة والكلى والمثانة، وأعدله أن يؤكل بغير عجمه.
وهو يغذي غذاء صالحًا، ولا يسدد كما يفعل التمر، وإذا أكل منه بعجمه كان أكثر نفعًا للمعدة والكبد والطحال، وإذا لصق لحمه على الأظافير المتحركة.
أسرع قلعها، والحلو منه وما لا عجم له نافع لأصحاب الرطوبات والبلغم، وهو يخصب الكبد، وينفعها بخاصيه.
وفيه نفع للحفظ قال الزهري من أحب أن يحفظ الحديث، فليأكل الزبيب، وكان المنصور يذكر عن جده عبد الله بن عباس عجمه داء، ولحمه دواء.
زنجبيل
قال تعالى {ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا} [الإنسان:17]. وذكر أبو نعيم في كتاب الطب النبوي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال أهدى ملك الروم إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جرة زنجبيل، فأطعم كل إنسان قطعة، وأطعمني قطعة.
الزنجبيل حار في الثانية، رطب في الأولى، مسخن معين على هضم الطعام، ملين للبطن تليينًا معتدلًا، نافع من سدد الكبد العارضة عن البرد والرطوبة، ومن ظلمة البصر الحادثة عن الرطوبة أكلًا واكتحالًا، معين على الجماع، وهو محلل للرياح الغليظة الحادثة في الأمعاء والمعدة.
وبالجملة فهو صالح للكبد والمعدة الباردتي المزاج، وإذا أخذ منه مع السكر وزن درهمين بالماء الحار، أسهل فضولًا لزجة لعابية، ويقع في المعجونات التي تحلل البلغم وتذيبه.
والمزي منه حار يابس يهيج الجماع، ويزيد في المني، ويسخن المعدة والكبد، ويعين على الاستمراء، وينشف البلغم الغالب على البدن ويزيد في الحفظ، ويوافق برد الكبد والمعدة، ويزيل بلتها الحادثة عن أكل الفاكهة، ويطيب النكهة، ويدفع به ضرر الأطعمة الغليظة الباردة.
حرف السين
سنا
قد تقدم، وتقدم سنوت أيضًا، وفيه سبعة أقوال، أحدها أنه العسل.
الثاني أنه رب عكة السمن يخرج خططًا سوداء على السمن. الثالث أنه حب يشبه الكمون، وليس بكمون. الرابع الكمون الكرماني. الخامس أنه الشبت، السادس أنه التمر. السابع أنه الرازيانج.
سفرجل
روى ابن ماجه في سننه من حديث إسماعيل بن محمد الطلحي، عن نقيب بن حاجب، عن أبي سعيد، عن عبد الملك الزبيري، عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال دخلت على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبيده سفرجلة، فقال (دونكها يا طلحة، فإنها تجم الفؤاد).
ورواه النسائي من طريق آخر، وقال أتيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو في جماعة من أصحابه، وبيده سفرجلة يقلبها، فلما جلست إليه، دحا بها إلي ثم قال (دونكها أبا ذر، فإنها تشد القلب، وتطيب النفس، وتذهب بطخاء الصدر).
وقد روي في السفرجل أحاديث أخر، هذا أمثلها، ولا تصح.
والسفرجل بارد يابس، ويختلف في ذلك باختلاف طعمه، وكله بارد قابض، جيد للمعدة، والحلو منه أقل برودة ويبسًا، وأميل إلى الإعتدال، والحامض أشد قبضًا ويبسًا وبرودة، وكله يسكن العطس والقئ، ويدر البول، ويعقل الطبع، وينفع من قرحة الأمعاء، ونفث الدم، والهيضة، وينفع من الغثيان، ويمنع من تصاعد الأبخرة إذا استعمل بعد الطعام، وحراقة أغصانه وورقه المغسولة كالتوتياء في فعلها.
وهو قبل الطعام يقبض، وبعده يلين الطبع، ويسرع بانحدار الثفل، والإكثار منه مضر بالعصب، مولد للقولنج، ويطفئ المرة الصفراء المتولدة في المعدة.
وإن شوي كان أقل لخشونته، وأخف، وإذا قور وسطه، ونزع حبه، وجعل فيه العسل، وطين جرمه بالعجين، وأودع الرماد الحار، نفع نفعًا حسنًا.
وأجود ما أكل مشويًا أو مطبوخًا بالعسل، وحبه ينفع من خشونة الحلق، وقصبة الرئة، وكثير من الأمراض، ودهنه يمنع العرق، ويقوي المعدة، والمربى منه يقوي المعدة والكبد، ويشد القلب، ويطيب النفس.
ومعنى تجم الفؤاد تريحه. وقيل تفتحه وتوسعه، من جمام الماء، وهو اتساعه وكثرته، والطخاء للقلب مثل الغيم على السماء. قال أبو عبيد الطخاء ثقل وغشي، تقول ما في السماء طخاء، أي سحاب وظلمة.
سواك
في الصحيحين عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ (لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة).
وفيهما أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك.
وفي صحيح البخاري تعليقًا عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ).
وفي صحيح مسلم أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا دخل بيته، بدأ بالسواك.
والأحاديث فيه كثيرة، وصح عنه من حديث أنه استاك عند موته بسواك عبد الرحمن بن أبي بكر، وصح عنه أنه قال: (أكثرت عليكم في السواك).
وأصلح ما اتخذ السواك من خشب الأراك ونحوه، ولا ينبغي أن يؤخذ من شجرة مجهولة، فربما كانت سمًا، وينبغي القصد في استعماله، فإن بالغ فيه، فربما أذهب طلاوة الأسنان وصقالتها، وهيأها لقبول الأبخرة المتصاعدة من المعدة والأوساخ، ومتى استعمل باعتدال، جلا الأسنان، وقوى العمود، وأطلق اللسان، ومنع الحفر، وطيب النكهة، ونقى الدماغ وشهى الطعام.
وأجود ما استعمل مبلولًا بماء الورد، ومن أنفعه أصول الجوز، قال صاحب التيسير زعموا أنه إذا استاك به المستاك كل خامس من الأيام، نقى الرأس، وصفى الحواس، وأحد الذهن.
وفي السواك عدة منافع يطيب الفم، ويشد اللثة، ويقطع البلغم، ويجلو البصر، ويذهب بالحفر، ويصح المعدة، ويصفي الصوت، ويعين على هضم الطعام، ويسهل مجاري الكلام، وينشط للقراءة، والذكر والصلاة، ويطرد النوم، ويرضي الرب، ويعجب الملائكة، ويكثر الحسنات.
ويستحب كل وقت، ويتأكد عند الصلاة والوضوء، والإنتباه من النوم، وتغيير رائحة الفم، ويستحب للمفطر والصائم في كل وقت لعموم الأحاديث فيه، ولحاجة الصائم إليه، ولأنه مرضاة للرب، ومرضاته مطلوبة في الصوم أشد من طلبها في الفطر، ولأنه مطهرة للفم، والطهور للصائم من أفضل أعماله.
وفي السنن عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه، قال رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما لا أحصي يستاك، وهو صائم وقال البخاري قال: ابن عمر يستاك أول النهار وآخره.
وأجمع الناس على أن الصائم يتمضمض وجوبًا واستحبابًا، والمضمضة أبلغ من السواك، وليس لله غرض في التقرب إليه بالرائحة الكريهة، ولا هي من جنس ما شرع التعبد به، وإنما ذكر طيب الخلوف عند الله يوم القيامة حثًا منه على الصوم، لا حثًا على إبقاء الرائحة، بل الصائم أحوج إلى السواك من المفطر.
وأيضًا فإن رضوان الله أكبر من استطابته لخلوف فم الصائم.
وأيضًا فإن محبته للسواك أعظم من محبته لبقاء خلوف فم الصائم.
وأيضًا فإن السواك لا يمنع طيب الخلوف الذي يزيله السواك عند الله يوم القيامة، بل يأتي الصائم يوم القيامة، وخلوف فمه أطيب من المسك علامة على صيامه، ولو أزاله بالسواك، كما أن الجريح يأتي يوم القيامة، ولون دم جرحه لون الدم، وريحه ريح المسك، وهو مأمور بإزالته في الدنيا.
وأيضًا فإن الخلوف لا يزول بالسواك، فإن سببه قائم، وهو خلو المعدة عن الطعام، وإنما يزول أثره، وهو المنعقد على الأسنان واللثة.
وأيضًا فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ علم أمته ما يستحب لهم في الصيام، وما يكره لهم، ولم يجعل السواك من القسم المكروه، وهو يعلم أنهم يفعلونه، وقد حضهم عليه بأبلغ ألفاظ العموم والشمول، وهم يشاهدونه يستاك وهو صائم مرارًا كثيرة تفوت الإحصاء، ويعلم أنهم يقتدون به، ولم يقل لهم يومًا من الدهر لا تستاكوا بعد الزوال، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع، والله أعلم.
سمن
روى محمد بن جرير الطبري بإسناده، من حديث صهيب يرفعه (عليكم بألبان البقر، فإنها شفاء، وسمنها دواء، ولحومها داء). رواه عن أحمد بن الحسن الترمذي، حدثنا محمد بن موسى النسائي، حدثنا دفاع بن دغفل السدوسي، عن عبد الحميد بن صيفي بن صهيب، عن أبيه عن جده، ولا يثبت ما في هذا الإسناد.
والسمن حار رطب في الأولى، وفيه جلاء يسير، ولطافة وتفشية الأورام الحادثة من الأبدان الناعمة، وهو أقوى من الزبد في الإنضاج والتليين، وذكر جالينوس أنه أبرأ به الأورام الحادثة في الأذن، وفي الأرنبة، وإذا دلك به موضع الأسنان، نبتت سريعًا، وإذا خلط مع عسل ولوز مر، جلا ما في الصدر والرئة، والكيموسات الغليظة اللزجة، إلا أنه ضار بالمعدة، سيما إذا كان مزاج صاحبها بلغميًا.
وأما سمن البقر والمعز، فإنه إذا شرب مع العسل نفع من شرب السم القاتل ومن لدغ الحيات والعقارب، وفي كتاب ابن السني، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لم يستشف الناس بشيء أفضل من السمن.
سمك
روى الإمام أحمد بن حنبل، وابن ماجه في سننه من حديث عبد الله بن عمر، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (أحلت لنا ميتتان ودمان السمك والجراد، والكبد والطحال).
أصناف السمك كثيرة، وأجوده ما لذ طعمه، وطاب ريحه، وتوسط مقداره، وكان رقيق القشر، ولم يكن صلب اللحم ولا يابسه، وكان في ماء عذب حار على الحصباء، ويغتذي بالنبات لا الأقذار، وأصلح أماكنه ما كان في نهر جيد الماء، وكان يأوي إلى الأماكن الصخرية، ثم الرملية، والمياه الجارية العذبة التي لا قذر فيها، ولا حمأة، الكثيرة الاضطراب والتموج، المكشوفة للشمس والرياح.
والسمك البحري فاضل، محمود، لطيف، والطري منه بارد رطب، عسر الإنهضام، يولد بلغمًا كثيرًا، إلا البحري وما جرى مجراه، فانه يولد خلطًا محمودًا، وهو يخصب البدن، ويزيد في المني، ويصلح الأمزجة الحارة.
وأما المالح، فأجوده ما كان قريب العهد بالتملح، وهو حار يابس، وكلما تقادم عهده ازداد حره ويبسه، والسلور منه كثير اللزوجة، ويسمى الجري، واليهود لا تأكله، وإذا أكل طريًا، كان ملينًا للبطن، وإذا ملح وعتق وأكل، صفى قصبة الرئة، وجود الصوت، وإذا دق ووضع من خارج، أخرج السلى والفضول من عمق البدن من طريق أن له قوة جاذبة.
وماء ملح الجري المالح إذا جلس فيه من كانت به قرحة الأمعاء في ابتداء العلة، وافقه بجذبه المواد إلى ظاهر البدن، واذا احتقن به، أبرأ من عرق النسا.
وأبرد ما في السمك ما قرب من مؤخرها، والطري السمين منه يخصب البدن لحمه وودكه. وفي الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال بعثنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ثلاثمائة راكب، وأميرنا أبو عبيدة بن الجراح، فأتينا الساحل، فأصابنا جوع شديد، حتى أكلنا الخبط، فألقى لنا البحر حوتًا يقال لها عنبر، فأكلنا منه نصف شهر، وائتدمنا بودكه حتى ثابت أجسامنا، فأخذ أبو جميدة ضلعًا من أضلاعه، وحمل رجلًا على بعيره، ونصبه، فمر تحته.
سلق
روى الترمذي وأبو داود، عن أم المنذر، قالت: (دخل علي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومعه علي رضي الله عنه، ولنا دوال معلقة، قالت فجعل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأكل وعلي معه يأكل، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مه يا علي فإنك ناقه، قالت فجعلت لهم سلقًا وشعيرًا، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يا علي فأصب من هذا، فإنه أوفق لك). قال الترمذي حديث حسن غريب.
السلق حار يابس في الأولى، وقيل رطب فيها، وقيل مركب منهما، وفيه برودة ملطفة، وتحليل. وتفتيح، وفي الأسود منه قبض ونفع من داء الثعلب، والكلف، والحزاز، والثآليل إذا طلي بمائه، ويقتل القمل، ويطلى به القوباء مع العسل، ويفتح سدد الكبد والطحال، وأسوده يعقل البطن، ولا سيما مع العدس، وهما رديئان. والأبيض يلين مع العدس، ويحقن بمائه للإسهال، وينفع من القولنج مع المري والتوابل، وهو قليل الغذاء، رديء الكيموس، يحرق الدم، ويصلحه الخل والخردل، والإكثار منه يولد القبض والنفخ.
حرف الشين
شونيز
هو الحبة السوداء، وقد تقدم في حرف الحاء.
شبرم روى الترمذي، وابن ماجه في سننهما من حديث أسماء بن عميس، قالت قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
(بماذا كنت تستمشين؟ قالت بالشبرم. قال حار جار).
الشبرم
شجر صغير وكبير، كقامة الرجل وأرجح، له قضبان حمر ملمعة ببياض، وفي رؤوس قضبانه جمة من ورق، وله نور صغار أصفر إلى البياض، يسقط ويخلفه مراود صغار فيها حب صغير مثل البطم، قي قدره، أحمر اللون، ولها عروق عليها قشور حمر، والمستعمل منه قشر عروقه، ولبن قضبانه.
وهو حار يابس في الدرجة الرابعة، ويسهل السوداء، والكيموسات الغليظة، والماء الأصفر، والبلغم، مكرب، مغث، والإكثار منه يقتل، وينبغي إذا استعمل أن ينقع في اللبن الحليب يومًا وليلة، ويغير عليها اللبن في اليوم مرتين أو ثلاثًا، ويخرج، ويجفف في الظل، ويخلط معه الورود والكثيراء، ويشرب بماء العسل، أو عصير العنب، والشربة منه ما بين أربع دوانق على حسب القوة، قال حنين أما لبن الشبرم، فلا خير فيه، ولا أرى شربه البتة، فقد قتل به أطباء الطرقات كثيرًا من الناس.