لقنوات الجنائية.. العنوان صحيح وليس فيه خطأ مطبعي، الناس يعرفونها بالقنوات الغنائية وهي المختصة بالغناء والأنغام، لكن حقيقة الأمر ومآل الأثر أنها جنائية لا غنائية، لما فيها من جناية على الدين والأخلاق والاقتصاد والأسرة والمجتمع، إنها ليست جناية بالسلاح وأدوات القتل ولكنها جناية بالكلمات الماجنة والرقصات الخليعة والرسائل الفاتنة، جنايات بل ظلمات متنوعة بعضها فوق بعض.
لن أدلل على صحة كلامي بفتاوى من كبار العلماء أو كلمات ومواعظ الدعاة والمصلحين؟ لا لأنها لا تكفي، وإنما لأن الكثيرين من المتصدرين في وسائل الإعلام لا يقبلونها ويعتبرونها ضرباً من التشنج والتوتر ولونا من التشدد والتطرف وصورة من صور الكبت والانغلاق.
وهذا ما يحملني على محاكمة هذه القنوات الجنائية ليس أمام الشرع - وليس بنا غنى عنه - وإنما أمام المتخصصين من الإعلاميين الذين بنوا أحكامهم لا على كتاب الله وسنة رسوله وإنما على إحصائيات وأرقام ودراسات وجدت دلالتها في العقول أبلغ، وأثرها في النفوس أوقع.
في مؤتمر "الإعلام المعاصر والهوية الوطنية" الذي عقدته كلية الإعلام جامعة القاهرة في القترة من "4-6 مايو 2004 قدم الباحثون الإعلاميون دراساتهم حول القنوات الجنائية الغنائية، فما ذا كانت نتائج هذه الدراسات؟
نتائج مرعبة
لقد قاموا بتحليل مضمون هذه الأغاني فماذا كانت النتيجة:
مائة أغنية شبابية - وهي إحدى العينات التي تم تحليلها من الباحثين في دراسة ميدانية - احتوت على 7573 لقطة تضمنت 2056 لقطة بها مشاهد راقصة و1409 لقطات تركز على المناطق المثيرة و2400 لقطة قريبة من مناطق مثيرة و146 لقطة تلامس و126 تشتمل على عناق.
وعينة أخرى قام بتحليلها بأحدث إعلامي متخصص وليس من علماء الشرع والخطباء والوعاظ. هذه العينة تشتمل على (364) أغنية بثتها سبع قنوات جنائية عربية بلغت نسبة اللقطات المثيرة 77%، والتي تتمثل في الرقص والحركة بنسبة 51%، وفي الملابس بنسبة 22%، وبإيماءات الوجه بنسبة 10%، وبالألفاظ بنسبة 10%، وفي فكرة الأغنية بنسبة 5%.
ليس هذا رجماً بالغيب، بل إنها لغة الأرقام التي لا تكذب، وإليكم المزيد.
وما هي البيئة التي تنقلنا إليها تلك الأغاني وما هي السلوكيات التي تريد غرسها في أجيالنا؟
مرة أخرى تقول الدراسة: إن عينة الأغاني تعكس البيئة الغربية بنسبة 70%، والبيئة العربية بنسبة 30%. وطبعاً البيئة العربية في مفهوم هؤلاء الباحثين لا تعني البيئة الإسلامية المنضبطة بضوابط الشرع.
تقول الدراسة: غلبت القيم السلبية على القيم الواردة في الأغاني بنسبة 85%، منها نسبة 33% لقيم الخيانة، و25% للغدر، و22 للتجاهل وعدم التقدير، و5% للكراهية. بينما بلغت نسبة القيم الإيجابية 22% فقط، منها 31% عن الحب (سواء كان حلالا أو حراما)، 20% للوفاء (للمحبوب)، 13% للإخلاص (للمحب وليس لله سبحانه)، 13% للانتماء.
مصائب أشرطة الرسائل
ونموذج آخر من جنايات هذه القنوات وهي الرسائل المتبادلة على أشرطة هذه القنوات، وهي في أغلبها معاكسات بين الشباب والفتيات.
تقول الدراسة: وبلغت نسبة الرسائل بين الجنسين على قناة روتانا 76%، والتهنئة الأسرية 20%، والرسائل المتبادلة لنفس النوع 19%.
والتي تبعا لما ذكر يبلغ أقل عدد للرسائل قد تحققه إحدى القنوات الفضائية المبتدئة 3000 رسالة يومية، ولتصل عدد رسائل القنوات الناجحة 15 ألف يومياً [الشرق الأوسط العدد 9685 السبـت 26 ربيـع الثانـى 1426]
وإليكم حديث المختصين وتعليقهم على تلك الدراسات:
تقول الأستاذة الدكتورة سلوى عبد الباقي، أستاذة علم النفس التربوي، إن الفن الحقيقي هو الذي يخاطب العاطفة ويرقى بالمشاعر وينعكس هذا الرقي على السلوك والتعاملات بين البشر مما ينعكس على المجتمع ويعمه حالة من الأمن والسكينة والبعد عن الجرائم، أما الذي يحدث الآن فما هو إلا إفلاس فني، فلم يعد هناك من يقدر على كتابة كلمة تحمل قيما نبيلة أو رسالة فنية، ولذلك أخذ يبحث عما يعبر بالأغنية عبر هذا الخلل.
وأثر هذا العري على الأسرة والمجتمع واضح جداً، فهو يركز على الجانب الجنسي مما يسهم في تصعيد السعار الجنسي في مجتمعات فقيرة لا تملك الزواج.
كما أشارت الدكتورة سلوى إلى أن الفنان يعد قدوة للشباب، والآن الفنانون أصبحوا ضيوفا على صفحات الحوادث متهمين في قضايا مخجلة "دعارة، آداب، تهرب ضريبي... إلخ"، وهؤلاء هم النماذج التي يقتدي بهم الشباب، والنتيجة هي زيادة معدلات الجريمة في المجتمع.
الجناية على الدين:
هذه القنوات أصبحت تعد بالعشرات ثم هذه القنوات تقوم بجناياتها منذ انبثاق الفجر وإلى غسق الليل، تصدح بالغناء وتمتلئ بالرقص والمجون.
الله سبحانه وتعالى يقول: { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا } لكن هذه القنوات لو فتختها في الفجر وعلى مدار اليوم فلن تجد فيها إلا هذه القيم السلبية واللقطات الماجنة.
لو أن عدوا جهز جيشه لغزونا – لا قدر الله – لاستنفرنا للدفاع عن الحرمات والمقدسات. فما بالنا وكل هذه السهام والدبابات والصواريخ تقصف معاقل الإيمان وتدك حصون الأخلاق وتهدم بنيان المجتمع وتفتك بكل المعاني النبيلة والقيم الفاضلة ونحن لا نستشعر خطراً ولا نخشى ضرراً ولا تحرك ساكناً.
إن هذا الأمر لا تكفيه مقالة ولا مقالات، بل لا بد له من مواقف مسئولة، فوزارات التربية والتعليم ينبغي أن يكون لها موقف، ووزارات الإعلام ينبغي أن يكون لها موقف، والغرف التجارية والروابط التجارية ينبغي أن يكون لها موقف. إن كل أحدٍ كل أبٍ وأمٍ ينبغي أن يكون لها موقف.
البعض يقول بأن هناك من المتقدمين أو المتأخرين من أباح الغناء.
الأمر جد خطير، لقد كان الغناء يُسمع، فصار يرى ويسمع، ويتفاعل معه من خلال هذه القنوات وما فيها من عرض الخصوصيات حتى أنني قرأت أن أغنية صورت فيها المغنية وهي في الحمام.
أليس في ذلك جناية على الدين والإيمان. وإشغال للقلب وتعليق له بغير الله عز وجل.
الجناية على الشباب:
ما الذي نجنيه من هذه القنوات: إننا نجني منها ميوعة الشباب وانشغالهم بالشهوات وانصرافهم عن الأمور العظيمة والمهمات الجسيمة، ونجني منها قلة حياء الفتيات واندفاعهن مع الإغراءات والشهوات.
تقدم الفسق والفجور على أنه نموذج يحتذى وأسوة تقتدى تقدم الانحراف على أنه سمة من سمات الأداء والعطاء والنماء ولا عجب فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت).
جناية على العلم:
فسهر الطلاب على القنوات يمنعهم من تحصيل العلم والاجتهاد فيه، وينصرفون للوصول إلى التميز والعطاء عبر طلب العلم لأن طريقه طويل وشاق وقد يثمر وقد لا يثمر، أما من أراد الشهرة من أقصر الطرق فطريقها المختصر صوت جميل وحياء قليل، ثم تجدهم على الشاشات والصفحات يوقعون العقود ويتنافسون في المسابقات الجنائية بل رأينا المسابقات والبرامج التي تقدم المواهب من سن السادسة والسابعة من العمر حتى ينشئوا نشأة غنائية جنائية مبكرة
الجناية على الأسرة:
وهي جناية خطيرة جداً، فصور الماجنات خلبت أنظار الرجال فزهدوا في أزواجهم، وصور والمغنين فتنت النساء فزهدوا في أزواجهن ووجدت المشكلات وتعاظمت وزادت نسب الطلاق وحصة من أسبابها – بحسب الدراسات – متعلق بمثل هذه القنوات.
الجناية على المجتمع:
وتتجسد هذه الجناية فيما نراه من التبرج والسفور والترخص في الاختلاط ليصبح المنكر معروفا والمعروف منكرا. كما تتجسد في الجرأة في المعاكسات والمغازلات والوقاحة فيها، بل والوصول إلى الاعتداء الفعلي.
الجناية على الاقتصاد:
حيث تقوم هذه القنوات بتجارة الإعلانات: ونعود إلى لغة الأرقام:
في دراسة أعدتها د.عزة كريم، الرئيسة السابقة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية بالقاهرة، تناولت الدراسة إعلانات الفيديو كليب والعلاقات الزوجية حيث أفادت إن 90% من الإعلانات تستخدم فيها جسد المرأة كمثير جنسي لترويج السلع، مقابل 8% هي نسبة الاهتمام بشخصية المرأة، وأوضحت أن 80% من الإعلانات يركز على القيم الاجتماعية السلبية، و89% على القيم الاقتصادية السلبية.
وأما عن هدر الأموال في الرسائل على هذه القنوات ومسابقاتها فحدث عنه ولا حرج !
تقول الأرقام: يبلغ أقل عدد للرسائل قد تحققه إحدى القنوات الفضائية المبتدئة 3000 رسالة يومية، ولتصل عدد رسائل القنوات الناجحة 15 ألف «مَسِج» فإذا كانت تكلفة الرسالة الواحدة على الأقل 3 ريالات فكم تهدر من أموال.
أي إهدار وأي جناية أعظم من ذلك في حق أمة تحتاج إلى تقدم علمي وإلى علاج اجتماعي وغير ذلك.
ما هو الحل؟
علينا أن نواجه هذا الغزو، ونحمي أنفسنا وأبناءنا من أن تصيب بجناياتها مقاتلنا، والله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [ التحريم: 6 ].
خطوات المواجهة:
1- القيام بحملة حملة إيمانية حضارية راقية سامية، ومقطعة هذه القنوات، والتحذير نحذر من أخطارها.
2- ملء أوقات الشباب والشابات بالأمور النافعة والمفيدة.
3- نشر الحكم الشرعي لهذه القنوات: وهو تحريم ما يعرض فيها من العورات وما يصاحبها من الاختلاط الماجن المثير للشهوات.
نحن كمسلمين لسنا بحاجة إلى تلك الإحصائيات لنقتنع بحرمة ما يعرض في هذه القنوات الجنائية من مجون وفساد، وما أتيت بها إلا لأقيم بها الحجة على الذين ابتعدوا عن مصدر التوجيه الإلهي في الكتاب والسنة، فالآيات القرآنية التي أنزلها الحق سبحانه بينت لنا أحكام النظر وأحكام السماع والاختلاط المحرم غير ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم أوضح من ذلك كما في حديث أبي هريرة يقول: ( لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم ) رواه البخاري، وعند الترمذي (إلا كان ثالثهما الشيطان)، وفي حديث أبي هريرة المشهور والذي رواه البخاري [ ج5/ص2304 ]: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العين النظر وزنا اللسان المنطق والنفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه).
4- التزام أوامر الله في العلاقة بين الجنسين: قال تعالى: { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } الآية [ النور: 30 -31 ].
5- تعظيم أوامر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في النفوس، قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم } وقال تعالى: { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}.
إن تهوين أمر الدين في النفوس وإن انتقاص عظمة النصوص من القلوب لهي أخطر من هذه القنوات الجنائية.
أسأل الله تعالى أن يحمي مجتمعاتنا وأبناءنا من كيد المفسدين.